حرب‏73‏ وتداعياتها في الأدب العبري

حرب‏73‏ وتداعياتها في الأدب العبري

القوات المصرية فى حرب اكتوبر اثبتوا انهم خير اجناد الارض

حظي موضوع الحرب باهتمام خاص في جميع فروع الادب الإسرائيلي من شعر ونثر ودراما وقد اسهم هذا الموضوع بدور رئيسي في الدراما العبرية التي كتبت منذ عام‏1967‏ فقد كان موضوع الحرب ونتائجها من الموضوعات الرئيسية في نحو‏45‏ مسرحية من بين‏300‏ مسرحية عرضتها كبري المسارح الاسرائيلية خلال الفترة من‏1968‏ حتي‏1983‏ حول هذا الموضوع يشير د‏.‏ منصور عبد الوهاب منصور الباحث في الدراسات الاسرائيلية واستاذ اللغة العبرية وآدابها بجامعة عين شمس الي ان التعايش مع الحرب يعد جزءا رئيسيا من مكونات الحياة في المجتمع الاسرائيلي سواء قبل انشاء الدولة او بعده‏,‏ فبناء الايديولوجية الصهيونية السائد في المجتمع الاسرائيلي سابق في وجوده علي البناء الاجتماعي ذاته الامر الذي يعني ان هذا المجتمع قد نشأ وتبلورت مكوناته تحت مظلة ايديولوجية وفلسفية سياسية تحكم وتضبط دينامياته الداخلية وعلاقته بالعالم الخارجي‏,‏ وهذا البناء الايديولوجي قد تكون علي أساس وجود صراع حتمي مع العربي من اجل انشاء الدولة مما ترتب عليه وجوده في حالة حرب دائمة‏.‏

فقد أدت حرب يونيو‏1967‏ والانتصار الذي حققته القوات الاسرائيلية علي الجيوش العربية الي تدعيم المقولات الصهيونية داخل الوجدان الاسرائيلي‏.‏

فما حققته إسرائيل من انتصار في هذه الحرب اكد ان لدي العقل الاسرائيلي قابلية الواقع لما تردد حول مفهوم أرض اسرائيل الاسطورة وبعد حرب‏1967‏ جاءت حرب أكتوبر‏1973‏ وقد احدثت هذه الحرب وما سبقها من عمليات فدائية في إطار حرب الاستنزاف هزة عنيفة في الجدار الايديولوجي الصهيوني وموقفه من العرب والاراضي العربية‏,‏ وادي ذلك الي بداية موجة من المراجعات الفكرية من كبار المفكرين الصهاينة‏,‏ وظهرت في المصادر الصهيونية الرسمية افكار وتأملات من نوع جديد تنافس طبيعة الايديولوجية الصهيونية التي سبقت انشاء هذا المجتمع وطرحت اسئلة مثل‏..‏ هل كانت الايديولوجية الصهيونية في أساسها ايديولوجية عنف وانانية قومية؟‏!‏ ام كانت تسعي الي العدل وتنشر التفاهم مع شعوب العالم بما فيها الشعوب العربية؟‏!‏ وقد أثبت الواقع ان الحرب في الوجدان الاسرائيلي مازالت تمثل جزءا محوريا في الحياة اليومية منذ إقامة الدولة‏,‏ وكذلك في الفترة السابقة عليها وزاد الاحساس بالخوف من الهزيمة بعد حرب اكتوبر‏1973‏ اذ أنها اول حرب تهزم فيها اسرائيل بعد الانتصارات المتلاحقة في حربي‏1948‏ و‏1967‏ واصبح التعايش مع احساس الروح العدوانية وتحولها الي سلوك اجتماعي والاحتياج الدائم للحروب كرد فعل للخوف من الهزيمة والدمار من سمات الشخصية الاسرائيلية‏.‏ ويستطرد د‏.‏ منصور وأفادت جميع التقارير التي كتبها باحثون عرب او اجانب او حتي صهاينة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية حدوث هزة عنيفة لحقت بجوانب الحياة الاسرائيلية المختلفة نتيجة لحرب اكتوبر التي صاحبها قدر هائل من التغييرات والاختلافات وعادت الحرب لاحتلال مكانة محورية في الادب الاسرائيلي‏,‏ كما انها غيرت نظرة المجتمع للعديد من الموضوعات‏,‏ وقد ادت صدمة حرب الاستنزاف وحرب اكتوبر‏73.‏ كما يقول د‏.‏ منصور الي احساس المجتمع الاسرائيلي بحالة إرهاق نفسي واجتماعي وكان الفضل لحرب اكتوبر في تغيير‏,‏ نظرة المجتمع الاسرائيلي بصورة العربي بصفة عامة ولصورة الانسان المصري بصفة خاصة‏,‏ اي ان تغيير نمط شخصية العربي في العقل الاسرائيلي لم يتم سوي بفعل عربي خالص وهو ما تمثل في انتصار اكتوبر المجيد‏,‏ وعن رؤية الادبين العربي والعبري لحرب اكتوبر‏1973‏ يقول د‏.‏ حسام عقل استاذ الادب العربي بجامعة عن شمس انها كانت بوتقة كبيرة انصهرت فيها الآمال والمشروعات النهضوية ورواسب الطموحات الوطنية الكبيرة التي بقيت تعاني حالة من المخاض المجهض ابان هزيمة‏1967‏ وشطرا من الفترة الزمنية التي واكبت حرب الاستنزاف‏,‏ ومع انطلاق حرب‏1973‏ وتحرك القوارب المطاطية لاجتياز المانع المائي كانت القلوب الكسيرة تجتاز مانعا من نوع آخر وتطلق صرخات محتبسة في الصدور ظلت مقيدة في محبسها طوال مراحل الانتكاس واطواره‏,‏ سنحت الظروف لها اخيرا بان تتحرر وتنطلق وتفلت من عقالها‏,‏ ويري د‏.‏ عقل ان‏(‏ الرؤية الفكرية‏)‏ لحرب‏1973‏ قد تفاوتت تفاوتا كبيرا بين الادبين العربي والاسرائيلي سواء في مساحة هذه الرؤية او خصائصها النوعية المميزة او تجلياتها في صورة تعبير ادبي شعرا كان أم قصة أم مسرحا‏.‏ وإن الادب العربي الذي أرخ لحدث العبور العظيم وواكب انطلاقته الفنية كان من ابرز سماته شيوع رقعة‏(‏ اليقين‏)‏ والثقة المطلقة بالعز والاطمئنان الي قدرة‏(‏ الانسان العربي‏)‏ علي تجاوز العثرات واسترداد المآثر السلبية وصناعة غد افضل ولعل ذلك يتضح بجلاء في المجموعة القصصية‏..‏ من يذكر تلك الايام للروائيين السوريين حنا مينا ونجاح العطاء ففي قصة السمكة الطائرة التي اشترك في ابداعها وتناوب القص والتسجيل كل من الكاتبين‏(‏ وهي من تجارب الابداع الجماعي النادرة في الادب العربي‏)‏ يظهر البطل الطيار وهو يسقط خمسا من طائرات الفانتوم بثقة كبيرة ويقين نافذ حتي عندما اصيبت طائرته في معارك‏(‏ مرض جبل الشيخ‏)‏ ظل محتفظا بيقينه‏,‏ كما ان البطل خضر الفقير البسيط في قصة خفر للقاص صلاح عبد السيد تجسد حالة اليقين خصوصا عندما غامر بحياته واصر علي ان يحمل القنبلة التي ألقاها العدو علي وابور الطحين وطوح بها بعيدا‏.‏ وعلي النقيض فإن حالة التشكك والاهتزاز والتشوش الروحي لازمت الادب العبري الذي ظهر في الفترة نفسها بل وحتي في الفترة التي واكبت حرب‏1967‏ ففي رواية رحلة دانيال للروائي الاسرائيلي‏(‏ اسحاق اورباز‏)‏ التي نشرت عام‏1969‏ يعود الشاب الي بيته بعد الحرب وهو ممتلئ بأسئلة لاتنتهي غير قادر علي حسم اي شئ‏!‏

وتشيع حالة عدم الثقة والتطير من المصير في رواية‏(‏ قاعدة الصواريخ‏612)‏ للقاص يهو وشواع وهي الحالة ذاتها التي جسدتها مجموعة غروب قروي للكاتب الاسرائيلي اسحق بن نير إن حرب اكتوبر كانت حدثا تاريخيا عظيما وكان دور الادب ضروريا لكن الانكسار كان شديدا بعد الهزيمة وكما يقول الاديب المقاتل عصام دراز الذي شارك في الحرب انكسارا‏,(1967)‏ وانتصارا‏(1973)‏ جاء الادب مرتبكا وانكفأ الادباء علي انفسهم يجلدون الذات في كتابات متعجلة‏,‏ وان اعمالا اخري استطاعت بمشاعرها الوجدانية العميقة وخبرتها العسكرية التعبير عن هذا النصر وكان من الضروري أن يظهر ادب يعبر عما دار في ميدان المعركة فعلا علي اعلي ومن خلال تجربة شخصية استطعت في قصة‏(‏ القائد لايبكي رجاله‏)‏ ان اصور اخطر مرحلة من مراحل اعادة بناء القوات المسلحة وهي بناء الانسان المقاتل الذي يتحول من انسان مدني عادي الي مقاتل علي اعلي مستوي من الشجاعة المهارات العسكرية نفس الملامح الانسانية العميقة ذات الدلالات تظهر في قصة‏(‏ احزان صامتة‏)‏ وفيها تم تصوير الاندماج النفسي الكامل من المقاتل ودباباته التي سيحارب بها وفي قصة‏(‏ الاقوي‏)‏ اب عجوز يرسل رسالة الي قائد جيش العدو ويأمره أن

يبحث بنفسه عن ابنه الذي فقد في الحرب‏,‏ ويؤكد له في رسالته ان ابنه بطل ويجب حضوره علي أول طائر لان الارض تنتظره‏,‏ رسالة فيها كل الكبرياء‏.‏

وفي النهاية يمزق الرسالة لانه متأكد ان ابنه سيعود اليه يوما ما ليزرع الارض والمستقبل‏.‏

وفي قصة‏(‏ أول ضوء‏)‏ تتجسد فيها لحظة حاسمة في تاريخ الحرب لحظة صعود الطيارين المقاتلين إلي طائراتهم وهم يستعدون للقيام بالضربة الجوية‏,‏ مهمة تصل لحد المعجزة بالمقاييس العسكرية‏,‏ ومن الكتاب المحاربين الذين أبدعوا ادبا متميزا‏(‏ علاء مصطفي‏)‏ وروايته الملحمية دوي الصمت تجسدت فيها المشاعر الانسانية التي فجرتها أحداث الحرب فاحالت انكسار النفس الي انتصار علي كل انواع الهزائم‏,‏ كذلك كتابات السفير معصوم مرزوق الذي كان ضابطا بالصاعقة فجاءت اعماله معبرة عن عمق‏,‏ التجربة الانسانية في الحرب ورواية شظايا للشاعر سمير الفيل الذي استوحاها من تجربته كجندي في احدي الوحدات‏.‏

ويري الاديب عصام دراز ان هذه الاعمال الأدبية بقدر ما كان لها انعكاسات مباشرة علي خريطة الادب العربي وعلي الفكر الانساني بقدر ما عبرت عن وجدان جيل كامل تحمل تضحيات ثلاث حروب متتالية وهي فترة ثرية بإنسانيتها ودلالاتها الواضحة في تاريخنا المعاصر‏.‏