متطوعو تجارب الدواء: كن فأرا أو مت فقرا

متطوعو تجارب الدواء: كن فأرا أو مت فقرا

أحمد ومحمد المتطوعان في الدراسات الدوائية
الأردن - "لسنا فئران تجارب.. نحن بكامل صحتنا".. وقف أحمد ومحمد يرويان تجربتهما كمتطوعين في عدد من الدراسات الدوائية مقابل مكافآت مالية تسد احتياجاتهم الدراسية والمعيشية، مؤكدين أنه لم يلحق بهما أي ضرر جراء خضوعهما لهذه الدراسة، لكن سوء أحوالهما الاقتصادية لم يترك لهما بديلا سوى خوض تلك التجربة.

جاء هذا في أول ورشة تدريبية للإعلاميين العلميين تنظمها الرابطة العربية للإعلاميين العلميين (ASJA) وشركة فارما كويست للدراسات الدوائية والبحث العلمي (المجموعة الأردنية الكويتية للاستثمار) بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حول التجارب الدوائية على البشر وحقوق المتطوعين.

وكان أبرز أهداف الورشة - التي عقدت الثلاثاء 1 يوليو 2008 بالعاصمة الأردنية عمان تحت رعاية وبمشاركة مدير عام المؤسسة العامة للغذاء والدواء د. محمد الرواشدة - تمكين الإعلاميين من الاطلاع على واقع التجارب والدراسات الدوائية في الأردن من الناحية الأخلاقية والقانونية والدينية، حيث أثارت تلك القضية جدلا واسعا على المستويين المحلي والعربي في الآونة الأخيرة.

باحثون وإعلاميون ومتطوعون
حضر الورشة نخبة من الباحثين والإعلاميين من الأردن ومصر تجاوز عددهم 150 شخصا، وبالرغم من كثافة الحضور التي شهدتها الورشة ما بين باحثين وإعلاميين، فإن أحمد ومحمد، الشابين الأردنيين المتطوعين في عدد من الدراسات الدوائية، كانا بطلا هذه الورشة.

يروي أحمد الشاب الجامعي للحضور قصته مع 5 دراسات دوائية متتالية خضع لها مقابل مكافأة مالية تتراوح بين 120 و 150 دينارا أردنيا ( 176.5 $ - 220.5 $ ) عن كل دراسة، قائلا: "علمت بفتح باب التقديم لهذه الدراسات من أحد أصدقائي، وكان هدفي من المشاركة هو دفع أقساطي الجامعية.. شاركت كمتطوع في 5 دراسات، ولم يحدث أي ضرر لي، ودفعت أقساط الجامعة والحمد لله".

وقال محمد الممرض في أحد مستشفيات الأردن: "السبب الرئيسي في التحاقي كمتطوع في الدراسات الدوائية هو الأوضاع الاقتصادية السيئة.. كان أمامي خياران، إما أن أسرق أو أتسول، ولكن أخلاقي لا تسمح بهذا؛ لذلك لجأت إلى التطوع في الدراسات الدوائية لأساعد نفسي وأهلي، ولا عيب في ذلك".

كذلك اعترض أحمد ومحمد على إطلاق تعبير "فئران تجارب" على المتطوعين في الدراسات الدوائية، وفضلوا مصطلح "دراسات دوائية" بدل "تجارب دوائية".

جدل صاخب
أثار كلام أحمد ومحمد فضول الإعلاميين فارتفعت حرارة القاعة بنقاشات حادة بين الإعلاميين والباحثين، حيث طرح الإعلاميون عددا من الأسئلة تتمحور حول الأعراض الجانبية التي يمكن أن يتعرض لها المتطوعون، والآلية التي يتم من خلالها اختيار المتطوع وخضوعه لأكثر من دراسة، كذلك المقابل المادي الذي يتقاضاه المتطوع وتخوفهم من أن تكون تلك الدراسات مهنة يمتهنها المتطوعون دون ضوابط.

وأوضح الدكتور حاكم الحديدي، أستاذ علم الأدوية بكلية العلوم والتكنولوجيا وعضو لجنة الدراسات الدوائية في الأردن، آلية اختيار المتطوعين، والتي تتم عبر نشر إعلان طلب متطوعين تقوم به مراكز الدراسات، فيأتي المتطوع ويجرى عليه عدد من الفحوصات اللازمة للتأكد من أن وضعه الصحي سليم لإجراء الدراسة عليه.

وأكد الحديدي أن هناك قانونا صارما يطبق على جميع الدراسات لضمان حق المتطوع، قائلا: "جميعنا يعلم أنه لا يوجد دواء يخلو من الآثار الجانبية، لكن هذه الآثار معروفة لنا كباحثين ويسهل التعامل معها، كما أن معظم الدراسات يستخدم فيها مضادات حيوية تأثيراتها الجانبية بسيطة".

وهذا ما أكده المتطوعان أحمد ومحمد، حيث أكدا أنهما لم يتعرضا إلى أي مشاكل صحية حتى الآن.

وحول المكافأة المادية التي يراها الإعلاميون مقابلا زهيدا للتطوع في مثل هذه الدراسات قالت الدكتورة وفاء الخطيب، الباحثة بالمؤسسة العامة للغذاء والدواء: "إن المؤسسة لا تريد رفع المكافآت حتى لا يكون الهدف هو جمع المال وتتحول العملية إلى مهنة يمتهنها المتطوع"، وأشارت إلى أن هذه الأسعار هي ذاتها في كثير من الدول الغربية.

"فإذا أصيب دواءُ الداءِ"
لم يقف الجدل عند هذا الحد، فلم تغفل الورشة الجانب الشرعي، حيث ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبد المقصود حامد عبد المقصود، نائب رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية وعميد كلية أصول الدين، كلمته موضحا أن هناك ضوابط عقلانية مستوحاة من الإسلام تحكم شرعية التطوع في الدراسات الدوائية.

وقال: "رائدنا في هذه الورشة ما جاء في صحيح الإمام مسلم تحت باب استحباب التداوي.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"، والجزء الثاني من الحديث فيه إشارة لفتح باب العلم والتجارب لنصل إلى هذه الإصابة الواردة في الحديث الشريف.

وحول شرعية إجراء التجارب الدوائية على البشر أشار فضيلة الشيخ إلى أن هناك عنصرين أساسيين حول هذه القضية:

العنصر الأول: التجربة الإكلينيكية، وهذه لابد أن تحكمها ضوابط، فلابد أن تمر هذه التجربة على عالَم آخر غير الإنسان، وتحديدا الحيوانات شبيهة الخلقة بالإنسان، وقبل الانتقال لعمل هذه التجارب على الإنسان لابد من نشر الدراسة ليشرف على نتائجها باحثون يكون لديهم أخلاق المهنة الطبية بجانب العلم، وأخلاق المهنة تعني الأمانة العلمية.. قائلا: "علم بلا أخلاق يضر البشرية، وأخلاق بلا علم جهل لا يفيد".

العنصر الثاني: الإنسان.. قال الله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" [الإسراء : 70]، ومن أجل ذلك نضع دائرة حمراء حول الإنسان، وفتح ثغرة في هذه الدائرة أمر في غاية الحساسية، لذا لابد أن نحترم آدمية المتطوعين في هذه الدراسات بتعريفهم على الخطوات التي ستجرى عليهم، قائلا: "بالطبع هناك احتمالية الضرر وليس قطعية الضرر، وهذه الاحتمالية لا تمنع من الاستمرارية في الدراسة على أن نبين للشخص المتطوع هذه الاحتمالية".

ومن الضوابط الحاكمة أيضا أن يتحمل فريق البحث جميع النفقات العلاجية اللازمة لهذا المتطوع في حال حدوث أي مضاعفات.

بدون هذه الضوابط الآمنة للمتطوعين يقف الإسلام ضد هذا العمل، ليس وقوفا ضد الأبحاث، ولكن وقوفا مع كرامة الإنسان.

قليل من الهدوء
هدأ جو القاعة بعد طرح العديد من الأسئلة والرد عليها، حيث بادر عدد من الإعلاميين لتلطيف الأجواء بين الإعلاميين والباحثين، مؤكدين ضرورة مد جسور بين الإعلاميين والأكاديميين لوضع أجندة منطقية للحوار تكون طموحة وهادفة، بحيث تغير الصورة النمطية لدى كل من الطرفين.

وقالت الدكتورة ميادة الوظائفي، أستاذ مساعد بالجامعة الأردنية وعضو سابق بلجنة الدراسات الدوائية: "إن الصحفي مهمته رصد الخبرة الواقعية، والصحافة الاستقصائية أحيانا تكون مضللة؛ لأنها لا تنقل الحقيقة المجردة"، مستشهدة بأحد الصحفيين الذي تقمص دور متطوع في أحد الدراسات ونشر مقالا وصفته بأنه "مقال ناري" يحوي وقائع سلبية وغير صحيحة، بل مضللة، حول استغلال الباحثين للمتطوعين، ونشر صورا له تشير إلى معاملة غير آدمية، وهي صور غير واقعية.

وعلق الدكتور مجدي سعيد، عضو مجلس إدارة الرابطة العربية للإعلاميين العلميين، على كلام الدكتورة ميادة قائلا: "إن حدوث تجاوزات من قبل الصحفيين لابد له من وقفة، فلابد أن تراجع دقة ومصداقية المواد من قبل المؤسسات الإعلامية قبل نشرها".

أوراق عمل
تضمنت الورشة أوراق عمل متنوعة بين إعلامية وشرعية وقانونية، ففي الجانب الإعلامي قدم الدكتور مجدي سعيد، ورقة بعنوان "الإحسان في الإعلام العلمي"، موضحا أن لكل وسيلة إعلامية رسالة، ومؤكدا ضرورة أن يرتبط الإعلام العلمي بالواقع، مع الالتزام بأخلاقيات المهنة.

واعتبرت مديرة الشبكة العربية للصحافة الاستقصائية (أريج) رنا الصباغ أن الصحافة قائمة على توثيق المعلومات والحقائق باتباع أسلوب منهجي وموضوعي، لتعمل على "كشف المستور وإحداث تغيير من أجل المنفعة العامة"، مشيرة إلى أن نمط الصحافة الاستقصائية دخل إلى الصحافة الأردنية حديثا، وأن الأسباب الحقيقية وراء لجوء الصحفيين إليه هي كشف الأخطاء والتجاوزات.

أما الخبير القانوني في الدراسات الدوائية بـ "فارما كويست جو" للدراسات والبحث العلمي د. كمال السعدي، فاعتبر مساهمة الإنسان عن طريق خضوعه للدراسات الدوائية هي مساهمة هامة في استمرار تطور العلم وصناعة المستحضرات الصيدلانية لصالح البشرية جمعاء.