مناورة أم تحول فى الاستراتيجية؟

مناورة أم تحول فى الاستراتيجية؟

"كفى من التفاوض العبثي، فقد آن أوان الأفعال". كانت تلك هى الجملة "أو النصيحة أو المطلب أو الأمنية أو كل ذلك جميعا " التى اختتم بها احد كتاب جريدة هآرتس الدائمين مقاله تعليقا على ما صرّح به الرئيس الصهيونى شمعون بيريز الأسبوع الماضى خلال لقائه بالرئيس المصرى حسنى مبارك فى شرم الشيخ بقوله إن "إسرائيل تقبل المبادرة العربية للسلام الذى لم يكن أبدًا ممكنا فى السنوات الماضية مثلما هو ممكن الآن، وإنه من الخطإ أن نضيّع مثل هذه الفرصة". فلماذا أصبح السلام ممكنا الآن أكثر من أى وقت مضى؟ ولماذا تطالب إسرائيل العرب بعدم إضاعة هذه الفرصة؟ وهل يمثل هذا القبول المتأخر للمبادرة العربية تكتيكا سياسيا صهيونيا، آنيا؟ وهل أدرك السياسيون الإسرائيليون مؤخرا، فقط، أن المبادرة العربية هى أفضل المبادرات لتسوية شاملة بينهم وبين العرب؟.

اما المبادرة فى حد ذاتها فقد قدمتها المملكة العربية السعودية إلى القمة العربية التى انعقدت ببيروت سنة 2002 وتم تبنيها من قبل الزعامات العربية الرسمية الحاضرة واعتمادها كخيار العرب وتصورهم لسلام عادل وشامل ودائم بين الدولة اليهودية وكافة الدول العربية وأداة لتطبيع العلاقة بين الطرفين والوسيلة الممكنة لإنهاء حالة الحرب بينهما وذلك مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية التى احتلتها سنة 1967 وإقامة دولة فلسطينية وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.

رفضت إسرائيل آنذاك المبادرة جملة وتفصيلا.أما الولايات المتحدة الأمريكية، التى كانت تستعد للانقضاض على العراق، فلم تلتفت للمبادرة رغم حاجتها الشديدة آنذاك للدول العربية. ورغم هذا الرفض والإهمال فقد ظلت الحكومات العربية تؤكّد على اعتبار المبادرة خيارا استراتيجيا.

وظلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتجاهل المبادرة فى حين طالب بعض المسؤولين الصهاينة الزعماء العرب، والعاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز تحديدا، بالتوجه إلى القدس المحتلة لطرح المبادرة أمام الكنيست كما فعل الرئيس المصرى الراحل محمد أنور السادات.. ورغم انطلاق مفاوضات فلسطينية إسرائيلية، بعد اغتيال القائد ياسر عرفات، برعاية أمريكية وأخرى سورية إسرائيلية غير مباشرة برعاية تركية فإن شيئا لم يتحقق سواء بالنسبة إلى الفلسطينيين أو السوريين، فى الوقت الذى تمكنت فيه إسرائيل من توسيع المستوطنات وإقامة الجدار العازل...

ويذهب الكثير من المراقبين إلى القول بان قبول إسرائيل "المشروط" بالمبادرة العربية فى هذا الوقت هو محاولة منها لتحقيق عدة أهداف وغايات داخلية وخارجية فى الآن ذاته منها:

ـ عزل إيران إقليميا، وذلك من خلال تشكيل حلف عربي- إسرائيلى وربما تنضم إليه تركيا، وهو ما يؤدى أيضا لسحب مبررات خطاب إيران الثورى الذى لا يعترف بدولة إسرائيل والذى ينادى بإزالتها باعتبار أنها دولة غاصبة وغير شرعية. كما يساهم فى فكّ ارتباط إيران مع بعض القوى العربية المتحالفة معها وهى قوى تشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل كحزب الله فى لبنان وحماس والجهاد فى فلسطين وقد يشكل النجاح فى ذلك مقدمة للانقضاض على إيران وتعطيل مشروعها النووي...

ـ وقد يضمن، هذا "التنازل"، للدولة الصهيونية عدة مكاسب اقتصادية سواء فى القطاع المالى أو التجارى أو الاثنين معا خاصة مع تحوّل الخليج العربى إلى مركز مالى دولى شديد الإغراء. غير أن رغبة إسرائيل تلك ومحاولاتها المتعددة للولوج إلى تلك المنطقة كانت تصطدم فى كل مرة بـ"حواجز" خليجية سياسية ونفسية واجتماعية رسمية وشعبية، وكان أصدقاء إسرائيل فى المنطقة ينصحونها بضرورة إيجاد حلّ مع الفلسطينيين والسوريين حتى يتمكنوا من تحقيق رغبتهم تلك.

ـ كما قد يساهم قبول إسرائيل بحلّ سلمى على قاعدة المبادرة العربية فى تقليص الأزمات والمخاطر الداخلية التى تعيش على وقعها البلاد منذ فترة، إذ أصبح استمرار "النزاع" مع الفلسطينيين والعرب عامة، حسب ما أفاد به مركز أدفا الإسرائيلي، مكلفا ومقوّضا لنمو إسرائيل الاقتصادي، ومشوشا لرؤيتها، ومضرا بمكانتها الدولية، ومستنزفا لجيشها، ومهددا لمستقبل وجودها كدولة قومية يهودية.

كما بين نفس التقرير الصادر عن نفس المركز أن إسرائيل تدفع ثمنا باهظا نتيجة تلكئها فى تطبيق حل سلمى مع العرب يستند إلى تقسيم عادل ومتفق عليه. كما يرى الكثير من العسكريين وبعض السياسيين الصهاينة، ومنهم اولمرت، أن حرب إسرائيل مع قوات حزب الله صيف 2006 قد أبرزت أن التهديد الحقيقى الذى تواجهه إسرائيل يتمثل أساسا فى وجود صواريخ وقذائف صاروخية فى حوزة الجهات المعادية لإسرائيل.

وقد بينت إحدى الدراسات الميدانية أن أحد الأسباب الرئيسية للإضطرابات التى نتجت عن تلك الحرب هو عدم قدرة الجيش الإسرائيلى على منع إطلاق الصواريخ بل حتى التقليل من عددها وهو ما أدى إلى تراجع مكانة الجيش فى نظر السكان وكان رئيس الوزراء اولمرت قد صرح مؤخرا انه "لا يمكن إيجاد الرد الملائم لهذا التهديد من خلال المساومة على مئات الأمتار هنا وهناك".

ـ محاولة امتصاص الآثار السلبية التى تولدت عن تقلّص النفوذ الأمريكى فى المنطقة نتيجة الإخفاقات والانهيارات التى عرفتها السياسة الأمريكية فى العراق وأفغانستان ولبنان وسوريا بالإضافة إلى فشل مشروع نشر الديمقراطية وخاصة طريقتها فى معالجة موضوع السلاح النووى الإيرانى الذى تميز بالتردد ثم التراجع عن قرار استخدام الخيار العسكرى وتحذير الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل من مغبة القيام بضربة عسكرية جوية ضد إيران.

ـ التفاعل مع بعض المتغيرات والتوجهات السياسية الأمريكية الجديدة من ذلك ما صرحت به وزيرة الخارجية كونداليزا رايس فى تبرير زيارتها إلى ليبيا من أن "أميركا لا عداوة دائمة لها" وربما فهمت إسرائيل الوجه الآخر لموقف رايس ذاك، أى أن لا أصدقاء أزليين فى السياسة أيضا. وقد تزامن قول رايس مع دعوة عدد من وزراء خارجية الولايات المتحدة السابقين للإدارة بضرورة "طى صفحة الحروب الاستباقية لصالح استخدام القوة الناعمة"، ومطالبتها باعتماد أسلوب "الحوار والاحتواء لمصالح دول ذات تأثير فى المنظومات الإقليمية كإيران وسوريا"، وتحفّظهم على "تماهي" السياسة الخارجية الأمريكية مع السياسة الإسرائيلية دون الالتفات إلى أهمية المصالح الأمريكية وأولويتها...

ومهما كان الأمر فان الكثير من الملاحظين والمحللين يرون أن المشكلة تكمن فى عدم إمكانية قبول قطاع واسع من القوى السياسية الإسرائيلية بمختلف أطيافها، لجزء من مبادرة السلام العربية وبالتحديد البنود التى تتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وبعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.

ولهذا السبب أعلن أيهود باراك أن القادة الإسرائيليين يبحثون فى إعداد مبادرة إسرائيلية فى المقابل وتكون أساسا لمفاوضات سلام إقليمية وهو أمر لن تقبل به الأطراف العربية المعنية على الأقل تبعا لتصريحات الرئيس المصرى حسنى مبارك والسيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية اللذين أكدا ذلك مؤخرا.

إنها المرة الأولى التى تعلن فيها إسرائيل استعدادها لإعداد مبادرة تتقدم بها للأطراف المعنية ومن المعروف أن إسرائيل لم تتقدم، منذ قيامها، بمشروع سلام لحل عادل للقضية الفلسطينية بل كانت تعمل باستمرار لإفشال كل محاولات التسوية الدولية والعربية.

فهل أن المنطقة على أعتاب مرحلة جديدة؟ تغيير جوهرى فى الاستراتيجية الإسرائيلية للتفاوض مع الفلسطينيين ومع الدول العربية؟ أم هى مناورة أم خديعة جديدة من قبل إسرائيل تجاه العرب لكسب الوقت؟.

بارك الله فيك اخي
جزاك الله كل خير

جزاك الله خيرا