لا تعايش للضحية مع القاتل

لا تعايش للضحية مع القاتل

الاعتداءات العنصرية والوحشية، التى قام بها المستعمرون الصهاينة داخل مدينة عكّا المحتلة منذ عام 1948، والتى بدأت فى عيد يوم الغفران اليهودي، يوم الأربعاء 8 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، واستمرت لأسبوع تقريباً، أعادت للذاكرة الحية والمتوهجة التحركات الجماهيرية العظيمة التى شهدتها مدينة "الناصرة" المحتلة فى "يوم الغفران" قبل ثمانى سنوات، عندما قام سكان مدينة "الناصرة العليا" اليهود بالاعتداء على سكان الناصرة العرب، مما أدى الى سقوط شهيدين من الناصرة.

وقد شكل هذا الحادث مع ارتدادات مواجهات الانتفاضة، داخل المدن والبلدات العربية المحتلة منذ عام 48، الشرارة التى أشعلت "النار فى السهل كله"، فكانت "هبة أكتوبر" المجيدة، التى أكدت من خلال دماء أبنائها الشهداء الثلاثة عشر، عمق الإنتماء، والإرتباط بالشعب الفلسطيني، وبنضاله العادل من أجل التحرير والعودة..

معاناة عرب عكّا من التهميش والتفرقة المزمنة ضدهم فى كل ما يتعلق بالخدمات والبنى التحتية والعمل والبناء، هى نموذج صارخ لحالة المواطنين العرب، فى عدة مدن ساحلية، والذين يشكلون عشرة بالمئة من مجموع الوجود العربى الفلسطينى فى فلسطين المحتلة منذ عام 48. وجميعهم يعانون من أوضاع سيئة للغاية. فلا توجد لديهم بيوت لائقة للسكن، وليس لديهم أراضٍ للبناء.

فى عام 1948 كان الفلسطينيون يمتلكون ثمانين بالمئة من الأراضي، وبفعل أوامر المصادرة، وسلسلة قوانين مرتبطة بها وتخدمها، لم يبق للعرب سوى أقل من أربعة بالمئة، وتمنع حكومة العدو امتداد العرب لخارج الأحياء والمناطق المحددة لهم، مما يخلق حالة اكتظاظ سكانى كبير. كما يعانى المواطنون العرب من حرمانهم من فرص العمل، وهو ما يظهر فى أن نسبة البطالة بين فلسطينيى 48 تقارب ثلاثة أضعاف نسبتها بين اليهود، بالإضافة إلى القوانين التعسفية، الموغلة فى عنصريتها، فى مجالات التعليم والخدمات الصحية.

كما يبرز التمييز فى مراحل الدراسة المتقدمة، خاصة فى الجامعات، إذ يتم وضع عراقيل كبيرة أمام دخول الطلبة العرب إلى المعاهد والجامعات "الإسرائيلية"، ولهذا ليس غريبا أن نجد أكثر من 11 ألف طالب يتعلمون خارج بلادهم، سبعة آلاف منهم يتعلمون فى الأردن، وهذا عدد يفوق عدد الطلبة العرب فى الجامعات "الإسرائيلية"...

إن قراءة موضوعية لأحداث عكّا، تؤكد أن أهلها العرب قاوموا بكل شجاعة، محاولات سحق كرامتهم الوطنية، وطردهم، وتهويد مدينتهم؛ بتضامنهم وثباتهم على أرضهم، كانوا يردون على الظلم والعدوان، بكل مقدماته وتداعياته، إن ما تتعرض له عكّا ويافا وحيفا والرملة، ومدن وبلدات النقب والجليل من مخططات لإعادة "هيكلة وتنظيم" جديدة، عبر ما تسميه حكومة العدو تضليلاً وخداعاً بـ"التطوير"، والذى يعنى فى الواقع العملى والموضوعى "التهويد"، ماهو إلاّ صب للزيت على الجمر الكامن داخل هذه المدن منذ ستة عقود.

ولهذا فإن ما أعادت تأكيده، إعتداءات المستعمرين على أهل عكّا، يضع المقولات المتداولة عن "التعايش" فى المدن المختلطة التى سماها بعض الكتّاب فى صحافة العدو "المدن المقسمة، المتفسخة"، فى موقع الشك، إن لم نقل فى مهب الريح!. فلا يمكن فى ظل السيطرة والمصادرة، الناتجة عن الاحتلال، تفسير التواجد القسرى على أنه تعايش، فقد علمتنا تجارب الشعوب، بأنه لا تعايش للضحية مع القاتل.

إن صمود أبناء البلد على أرض وطنهم، وفى مواجهة سياسة التهويد والاقتلاع، يأتى فى مقدمة المهام المباشرة للنضال الشعبى الفلسطيني، باعتباره مهمة كفاحية راهنة، مما يتطلب تطوير أشكال التنسيق بين الأحزاب والقوى والمجالس العربية، من أجل وضع خطة تحرك مشتركة، توفر للأهل فى عكّا وغيرها من المدن المهددة، مقومات الصمود والبقاء، وتبنى فى ذات الوقت، أسس البرنامج الجماعى للعمل الوطنى فى المرحلة المقبلة.