أفراح غزة .. إذلال لإسرائيل وإحراج للعرب

أفراح غزة .. إذلال لإسرائيل وإحراج للعرب

سفينتا كسر الحصار حملتا رسائل في أكثر من اتجاه ، كان من أبرزها أنه مازال هناك في العالم من يحمل ضميرا حيا تجاه مأساة الشعب الفلسطيني بصفة عامة وكارثة غزة بصفة خاصة ، هذا بالإضافة للرسالة الأهم وهى أن إسرائيل أضعف ما يكون أمام الاصرار على الحق.

فمنذ الإعلان عن إقلاع السفينتين من قبرص باتجاه سواحل غزة وإسرائيل تتوعد القائمين عليهما ، بل وهددت أيضا بمنعهما من دخول المياه الإقليمية للقطاع ، إلا أنه سرعان ما تراجعت عن موقفها ووصلت السفينتان بسلام في 23 أغسطس 2008 .

إذلال لإسرائيل

هذا الموقف فسره كثيرون بأن إسرائيل واجهت تحديا وإصرارا من قبل الناشطين الأجانب المتضامنين مع الفلسطينيين ، وبالنظر إلى محدودية إمكانيات السفينتين على الاستمرار عالقتين في البحر المتوسط لفترة طويلة وتعطل أجهزة الملاحة والإنترنت بهما ، فقد كانت هناك كارثة محدقة في حال عرقلة دخولهما ألا وهى احتمال غرقهما وبالتالي تأليب الدول التي ينتمي إليها الناشطون والرأي العام العالمي كله ضد تل أبيب .

أيضا معروف للجميع أن السفينتين تحملان معدات طبية وغذائية ، وبالنظر إلى أن هذا لا يضر إسرائيل في شيء ، فإن منعهما كان من شأنه خلق المزيد من التعاطف في الغرب مع الفلسطينيين ، كما يؤكد في الوقت ذاته للقاصي والداني أن هدف إسرائيل من الحصار الجائر الذي تفرضه على غزة ليس عقاب حركة حماس والإسراع بالإطاحة بها وإنما ممارسة عقوبات جماعية ضد سكان غزة من أطفال ونساء وشيوخ بهدف تجويعهم وقتلهم وإزالتهم من الوجود.

ولا ننسى أيضا أن مهمة السفينتين كانت فيما يبدو قد حققت أهدافها حتى قبل دخول المياه الإقليمية لغزة ، فالاهتمام الإعلامي العالمي الذي صاحب تحركهما ، شكل هو الآخر عنصر ضغط على إسرائيل بل وأحرجها أمام العالم كله ، بإعادة تسليط الضوء على الحصار ، الذي يعتبر من جرائم الحرب التي يعاقب عليها القانون الدولي.

إحراج للعرب

ويبدو أن الإحراج لن يقف عند إسرائيل ، بل إنه طال الدول العربية أيضا ، فتحرك نحو 46 ناشطا أجنبيا في مجال حقوق الإنسان لكسر الحصار المفروض على غزة ، جدد الانتقادات للموقف الرسمي العربي المتخاذل تجاه الموت البطيء لسكان غزة .

مأساة أطفال فلسطين تتصاعد يوما بعد يوم

فمنذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية في يناير 2006 ، سارعت أمريكا وإسرائيل لفرض حصار خانق على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية عقابا لهم على انتخاب الحركة التي ترفض الاعتراف بإسرائيل وتلتزم نهج المقاومة لإنهاء الاحتلال ، وللأسف فإن بعض الدول العربية وتحت تأثير الضغوط الأمريكية ، ساهمت في تصعيد الحصار عبر منع وصول المساعدات الإنسانية والمالية للفلسطينيين .

وما أن اندلع الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس وأعلنت الأخيرة سيطرتها على قطاع غزة في يونيو 2007 ، إلا وأخذت بعض الدول العربية جانب فتح ، فيما أخذت الأخرى جانب حماس ، وهنا وجدت إسرائيل الفرصة سانحة لإشعال حرب أهلية بين الفلسطينيين وجاء مؤتمر أنابوليس الذي عقد بالولايات المتحدة في نوفمبر 2007 ترجمة صريحة لهذا المخطط عبر الحديث عن إغداق المساعدات على الضفة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وفتح ، بل وتحدث البعض أيضا عن كيانين فلسطينيين منفصلين في غزة والضفة كبديل للدولة الفلسطينية مستقبلا.

موقف مصر

صمود غزة حال دون تنفيذ هذا المخطط ، ولذا سرعان ما زادت إسرائيل من حصارها الخانق عبر منع إمدادات الوقود للقطاع بداية العام الحالي ، الأمر الذي كاد يتسبب في كارثة إنسانية لولا تمكن مسلحين فلسطينيين من تفجير الجدار الذي يفصل رفح الفلسطينية عن رفح المصرية في 23 يناير الماضي، وسماح الحكومة المصرية على إثره بعبور آلاف الفلسطينيين إلى الجانب المصري للتزود باحتياجاتهم الأساسية في محاولة لتخفيف الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل على سكان القطاع .

ورغم أن الآمال تصاعدت وقتها بوضع حد للحصار ، إلا أن مصر قامت بإغلاق معبر رفح بعد أسبوع على فتحه ، وهنا تباينت التفسيرات ، فقد اعتبر البعض الموقف المصري إذعانا للضغوط الأمريكية والإسرائيلية لإغلاق معبر رفح وتشديد الحصار على غزة للإسراع بإسقاط حماس ، فيما وصف البعض الآخر قرار إغلاق الحدود بأنه يأتي في إطار حرص مصر على حماية أمنها القومى من جهة وحماية حقوق الفلسطينيين من جهة أخرى .

فإسرائيل وفي رد فعل غاضب على قرار مصر الشجاع فتح الحدود سارعت إلى تنفيذ مخطط جديد يهدف إلى التنصل من مسئوليتها كدولة احتلال والتي تلزمها بتوفير الغذاء والطاقة لسكان غزة وسعت لتصدير الأزمة إلى داخل سيناء أو بالأحرى إلى داخل مصر ، عبر تلميح عدد من مسئوليها إلى احتمال قطع كافة صلات إسرائيل بالقطاع .

هذا كان معناه تحويل إدارة غزة إلى مصر كما كان الوضع قبل حرب يونيو 1967، وهو ما يترتب عليه ترحيل كافة مشكلات القطاع إلى مصر ومن ثم تحميلها المسئولية الأمنية عن تحركات المقاومة فيها ضد إسرائيل، خاصة ما يتعلق منها بإطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية ، وبالنظر إلى أن هذا المخطط يحمل في طياته مخاطر لا حصر منها احتمال إشعال مواجهات لاحصر لها بين الفلسطينيين ومصر وتحقيق حلم إسرائيل بتوطين الفلسطينيين في سيناء ، فقد جاء الموقف المصري رافضًا له جملة وتفصيلا.

الرئيس مبارك أعلن حينها أن مصر لن تسمح بتجويع الفلسطينيين ، لكنها في الوقت نفسه تصر على ضرورة خضوع معبر رفح للاتفاقية المنظمة لقواعد العمل به وهي الاتفاقية التي وقعتها السلطة الفلسطينية في العام 2005، وتسمح لإسرائيل بمراقبة المعبر عبر دوائر تليفزيونية والتحكم بقرار إغلاقه وفتحه.

انتعاش آمال الفلسطينيين بانتهاء الحصار

وفي محاولة لإيجاد حل دائم من شأنه تخفيف الحصار على غزة والالتفاف على قرار إسرائيل إغلاق كافة المعابر مع القطاع ، استضافت القاهرة منذ فبراير 2008 محادثات بين مصر وحماس ومصر والسلطة الفلسطينية للتوصل لاتفاق حول آلية لإدارة معبر رفح، ولجمع الأخوة المتناحرين على طاولة الحوار المباشر ، إلا أن إسرائيل كانت دوما تقف بالمرصاد في وجه مثل هذا الأمر عبر دق الأسافين بين فتح وحماس.

أيضا لم يظهر في هذا الوقت موقفا عربيا موحدا حول آليات مواجهة الحصار، حيث اكتفت حكومات عربية كثيرة بإدانته دون التحرك عمليا لإنهائه ، فيما التزمت حكومات أخرى الصمت لتجنب إغضاب واشنطن .

واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن جاء يوم 23 أغسطس 2008 ، الذي اعتبر رسالة دعم قوية لصمود سكان غزة ، كما اعتبر إحراجا شديدا للحكومات العربية لأن غزة في النهاية أرض عربية وكان حريا بالعرب وليس الأجانب مد يد العون لها.

ويجمع المراقبون أن تلك الحكومات باتت في موقف لا تحسد عليه ، فبعد وصول السفينتين ، يتوقع أن تتكرر محاولات شبيهة من قبل المدافعين عن السلام في العالم أجمع ، ولذا فإن الحصار سيتآكل شيئا فشيئا ، وحينئذ ستخرج حماس منتصرة فعليا وستحظى بشعبية أكثر وأكثر في العالم العربي ، أما الحكومات التي ناصبتها العداء ، فإنها ستواجه بانتقادات داخلية باعتبارها أخذت صف أمريكا ضد أشقائها في العروبة والإسلام.

وتبقى الحقيقة الساطعة وهى أن رحلة السفينتين من شأنها أن تدفع الفلسطينيين في الضفة وغزة لإعادة حساباتهم ومراجعة سياساتهم ، فهم جميعا في خندق واحد ، ولا بديل أمامهم سوى نبذ الخلافات ولم الصفوف لاكتساب المزيد من احترام وتعاطف أحرار العالم.

جزاك الله خيرا على هذا الموضوع
ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا

أفراح غزة .. إذلال لإسرائيل وإحراج للعرب 51018210

أفراح غزة .. إذلال لإسرائيل وإحراج للعرب Nouara11

بارك الله فيك اخي