لن نتنازل عن شـبر واحد من فلسـطين

لن نتنازل عن شـبر واحد من فلسـطين

سيسألون ذات يوم عن هذا المعنى الكامن فينا حين نُصرّ على أن يكون الوطن الفلسطينى الذى نُريد، أو الذى نُصرّ عليه، بحجم القلب والذاكرة والذكريات والأيام التى مضت والأيام التى نشهد وكيف سيكون شكل هذا الوطن إذا كان ما نُريده يحتاج إلى قياس غريب عجيب لا يستقيم على متر أو فتر، لأن مساحته أبعد من كل المقاييس التى نعرف وأكبر من كل الأشكال التى نضع.. لا بد أن يُقال كيف ستكون فلسطين بكلّ هذه الصور، وكل هذه المفاهيم المعنوية، ومن يستطيع أن يأتى بها على هذا المستوى من القياس الذى يخرج عن أى قياس!

ما أسهل الجواب.. بل ما أقرب ما نُريد إلى التحقق بصورة لا تحتاجون معها إلى متر أو مقياس تعارفتم عليه.. بكل بساطة.. بل بغاية البساطة أحضروا أى فلسطينى واتركوه فى أول أرضه وقولوا له ضع لنا حدوداً حتى نعرف أين تبدأ فلسطين وأين تنتهي.. ستجدونه دون حاجة لغير قلبه وذاكرته وعواطفه ولغة مشاعره سيُحدد لكم فلسطين بشكل تعجز أدق آلات القياس عن القيام به..

لا نطلب منكم أن تأتوا بشيخ عرف فلسطين شبراً شبراً من قبل، ولا نطلب منكم أن تأتوا برجلٍ حفظ تفاصيل البلد عن ظهر قلب.. هاتوا طفلاً فلسطينياً يزحف واتركوه ستجدونه يُحدد لكم كل شيء بشكل يُذهلكم.. هاتوا ضريراً لم يُشاهد من قبل أى شيء من فلسطين.. اتركوه فقط يتنسم هواء الوطن ستجدونه دون أى مساعدة يضعكم أمام خارطة فلسطين كلها.. صدقونى لن يترك شبراً واحداً!..

لا بأس أيقظوا الشهيد من قبره وقولوا له تعال ودلنا على فلسطين كاملة غير منقوصة سيأخذكم إلى آخر شبرٍ دون أن يُضيـّع ذرة تراب واحدة.. هاتوا ما يخطر لكم على البال وجربوا ستجدون أن فلسطين فينا لا تتغير ولا تتبدل ولا تحتاج إلى أدوات قياس.. هذا شعب لا يتكرر ولا تتكرر ذاكرته ولا يتكرر حبه.. فاتركوه فقط على أول الطريق وستدهشكم النتيجة دائماً لأن الوطن الفلسطينى سيكون فيه كما مجرى الدم.. لا شيء يُغيره أو يُبدله..

لا بأس، لكم أن تزدادوا وتزيدوا فى حجم الفحص والتمحيص والتدقيق والذهاب حتى آخر المشوار. هاتوا الجنين وهو فى بطن أمه، وجربوا أن تضعوه على طريق فلسطين سيصرخ معلناً دون كلام أن فلسطين تبدأ هنا وتنتهى هنا، وأن لا شيء يُغير قناعة هذا الجنين بأنه يعيش فى وطنه بكل ما فيه دون انتقاص وإن أنقصتم سيصرخ بكم فلسطين التى أعرف مولودة معى وموجودة فى ملامحى فلا يمكن لكم أن تُغيروا منها شيئاً..

هل هى الذاكرة الفلسطينية أم الحب الفلسطينى أم ولادتنا على هذا الشكل منذ البداية لأن فلسطين قدر الفلسطينى وذاته ونفسه وشخصيته وملامحه وصورته وأنفاسه وأن التبديل والتعديل والتغيير والانتقاص يعنى ذبح هذا الفلسطينى وقتله والتلاعب الأحمق بقدره؟.. إنه كل ذلك وأكثر.. مكتوب لنا وعلينا وبنا ألا نترك شجرة واحدة لأيٍ كان..

فانتزاع حبة رمل يعنى تغييراً فى كل ملامحنا ومفاهيمنا وقدرنا وتماهينا مع هذا القدر.. ومن الطبيعى أن يكون ذلك غير ممكن أو مقبول، لأن القبول يعنى قتل شعب وإفناءه وخنقه وذبحه.. فكيف نرضى وعلى أى أساس إذا كنا نعرف كل ذلك؟؟..

الذاكرة وحدها هى سياج فلسطين وفهم ما هو فلسطيني.. القلب وحده هو الذى يعرف ويعى ويُدرك ماذا تعنى فلسطين.. المشاعر تنفجر وتضيع حين نُنقص شيئاً من فلسطين..

فبالله عليكم كيف تُريدون لنا أن نترك حبة تراب واحدة مهما كانت الأسباب.. أى تنازل يعنى انتحار شعب كامل.. ولأننا مشغولون بل مغرقون فى حب فلسطين، فلا نُريد أن ننتحر..

لو تحركت الشمس من الشـمال إلى اليمين
لو تخلت الأهرام عن حجرها المتيـن
لو عاد كل صهيونى إلى بطن أمه جنين
لن نتنازل عن شـبر واحد من أرض فلسـطين.

فلسطين هي عيوننا وقلوبنا
مشكور اخي