وطنُ الإنسانِ.....مميز جدا

وطنُ الإنسانِ

هل الإنسان مُطالَبٌ بإعلان حبّه لوطنه؟ ألا يكفى اجتهادُه فى مجال اختصاصه وصدقُه فى عمله ليكون مُواطِنًا وطنيًّا؟ ألا يحتاجُنا الوطن حاجتَنا إليه؟ متى يتوجّب علينا أن نُعْلِنَ ولاءَنا لأوطاننا؟ ثمّ هل تكتمل فينا شخصيّةٌ وتنمو لنا أحلامٌ خارجَ أوطانِنا؟ هل الوطنيةُ لباسٌ نرتديه متى نشاء ونُهمِلُه متى نشاء؟ أيجوز للإنسان أن يهربَ من قَدَرِه الوطنيِّ؟ هذه أسئلةٌ تحتاج إجاباتٍ واضحةً حتى نُعيدَ بها الاعتبارَ لعلاقتنا الحميمةِ بالأرضِ بترابِها وهوائها وأهلِها وأحجارِها وأشجارِها.

***
أعتقد أنّ الأشياء تبدو جميلة أكثر لمّا نفتقدها، أو نبتعدُ عنها، فالإنسانُ لا يستطيعُ أن يُقيّمَ الأشياءَ إلاّ متى خرجَ من فضاءِ فعلِها اليوميِّ فيه إلى فضاءٍ آخرٍ جديدٍ بحيث يستطيعُ رؤيتَها رؤيةً تأليفيّةً تُمكِّنُه من تشرُّبِ وِحْدةِ مَعْنَى الموجوداتِ جديدِها ومألوفِها بكثيرٍ من الصِّدْقِ والموضوعيّةِ. ولعلَّ المكانَ، بيتًا أو مدينةً أو بلادًا، هو الفضاءُ الذى يظلُّ فى تماسٍّ دائمٍ مع الإنسانِ حياةً ومماتًا، ومن ثمّة فهو يفعلُ فيه فعلَه الجغرافيَّ والتاريخيَّ والتخييليَّ دونمَا وعيٌ منه بذلك فى غالِبِ الأحيانِ مَا يُفْقِدُه الجُرْأةَ على نَقْدِهِ أو القولِ فيه باعتبارِه عنصُرًا من عناصِرِه.

***
ولا يمكنُ أن يتوفّرَ الإنسانُ على مثل هذه الجُرْأةِ إلاّ متى خرجَ من فضائِه إلى أفضيةٍ أخرى بحيث تنفتِحُ عيناهُ على أشياءَ جديدةٍ وينفتِحَ تأويلُه على شُرْفَةٍ مليئةٍ بالنَّهار، وفى مثل هذه اللحظة، يَقومُ فيه فعلُ المقارنةِ: مقارنةِ فضائِه المألوفِ بفضائِه الجديدِ المكشوفِ، مقارنةً تشملُ جميعَ العناصِرِ بما فيها هَبّاتُ النسيمِ وعاداتُ العصافيرِ فى النّوْمِ وفى الحُبِّ وفى النَّميمةِ الخضراءِ "ما أحلى نميمةَ الطَّيْرِ!". فى هذه اللحظةِ بالذّاتِ، يتخلّى الإنسان عن سِجِلِّ العاطِفِيّاتِ وتكونُ الصَّدْمةُ:إمَّا أنْ يتقبَّلَ الجديدَ الباهرَ لعينيْهِ وينسى أصلَه التُّرابيَّ وإمّا يسترجِعَ عقليًّا موجوداتِ فضائِه الجغرافيِّ الأصليِّ فيمتدِحُه بالمَنْطِقِ ويزدادُ به بهاءً وألَقًا ونماءَ شخصيَّةٍ ووفاءً له. وهل غيرُ الوفاءِ للأوطانِ يبتغى المرءُ فى هذه الأرضِ؟ وهل ثمّةَ فى هذا الكون الملتهبِ بالقتلِ وبالدَّمارِ غيرُ وطنٍ يمنحُنا فسيحَ الرؤيا ويفتحُ أبوابَ جنَّتِه لآثامِنا؟ وهل بإمكانِ الإنسانِ أنْ يحلُمَ خارجَ أرضِه؟ أغمضوا أعيُنَكم وجرِّبوا...ستدورُ بكم الأرضُ دورتَها وتنوَجِدوا فى أرضِكم تمرَحونَ وتفرحون. وستقولون مع أولاد أحمد "أُحبُّ البلادَ/كما لا يُحبُّ البلادَ أحدْ/صباحًا/ مساءً/ وقبلَ الصباحِ/ وبعدَ المساءِ/ ويَوْمَ الأحدْ".

جزاك الله كل خير

أعتقد أنّ الأشياء تبدو جميلة أكثر لمّا نفتقدها، أو نبتعدُ عنها، فالإنسانُ لا يستطيعُ أن يُقيّمَ الأشياءَ إلاّ متى خرجَ من فضاءِ فعلِها اليوميِّ فيه إلى فضاءٍ آخرٍ جديدٍ

شكرا لمشاركتك