علاقات طردية

موضوع: علاقات طردية الإثنين 10 نوفمبر 2008, 1:24 am

علاقات طردية

لعلنا نكون في قلب الحقيقة اذا قلنا: الوقت أداة العمل وتحصيل الرزق والعلم والثقافة وبناء المستقبل والحضارة وكل شيء إذا استعمل.. والوقت آفة العمل والرزق والعلم والثقافة والحضارة... إذا أهمل..

ولا غرو في ذلك، فبين الانسان وبين الوقت رابطة أشبه برابطة مرور قطعة خشبية على أسنان منشار يعلو وينقضّ كصاعقة قاتلة.. فالوقت يجري، ويتدفق تدفقاً مذهلاً، ويندفع الى الأمام بلا رجعة، فليس هناك أية إمكانية للارتداد الى الوراء والعودة الى لحظة زمنية مضت إلا في حيز المجاز والعوالم العقلية والعاطفية والنفسية والتخيلية.. ‏

هناك علاقة طردية سلبية بين الوقت وبين الجهل والتخلف والثرثرة والأمية الأبجدية والفكرية والحضارية، وكلما اتسعت مساحات الجهل والتخلف والثرثرة والأمية.. ضاقت مساحات البناء الثقافي والحضارية بالمعنى الشامل للكلمة، والعكس صحيح، فالثرثارون والمتخلفون والجهلة وعموم الأوساط والبيئات غير الحضارية لا يحترمون الوقت احتراماً حقيقياً، ولا يبذلون أي جهد في سبيل المحافظة عليه، بل لا يعيرونه انتباهاً، ولا يعون أهميته الجليلة في مجالات حياتهم المختلفة، ولا يدركون أن الوقت لايرحم المتخلف عن مواكبته، وأنه هو العمود الفقري لأي نجاح في أي ميدان من ميادين الحياة.. ولا يعرفون أن من يحترم الوقت، يحترم الحياة كلها من ألفها الى يائها.. ولا يعرفون كذلك، أن من يسلبك مالك فقد سلبك حطاماً على حد تعبير «شكسبير» ولكن من سلبك وقتك وشرفك فقد سلبك أعز ما تملك.. ‏

ويقول «ممدوح عدوان» الذي كانت الثقافة شغله الشاغل وهاجسه الحقيقي الأكبر، في أحد حواراته: «أنا ما زلت أعتقد أنني يجب أن اعمل أكثر.. وكل يوم لا أعمل فيه أحس بشيء ينهشني.. ومحمود درويش يقول لي: ممدوح هل يمكن أن يكون يومك سبعين ساعة.. وأنا أجيب طبعاً يومي سبعون ساعة.. وأنا إذا ندمت على شيء فإنني أندم على كوني قد أضعت وقتاً كثيراً في شبابي»؟! ‏

من رحم ما تقدم آنفاً يلد السؤال التالي: ‏

هل هناك علاقة طردية سلبية بين الثقافة بدلالاتها العميقة وأبعادها المختلفة وبين الجهل والتخلف والأمية الابجدية والفكرية والحضارية؟.. أجل، العلاقة الطردية السلبية موجودة، لابد ، بينهما، فكلما اتسعت مساحات الجهل والتخلف والأمية.. ضاقت مساحات الثقافة، والعكس صحيح. إن صناعة الثقافة لا تقل أهمية عن صناعة السلاح، والعمل على بناء جبهة ثقافية متراصة متقدمة ومتنورة.. لا يقل أهمية عن العمل على بناء الجبهة العسكرية، فالكلمة كالرصاصة. اذا انطلقت لا يمكن لأحد، كائناً من كان، أن يردها، وقد تبني.. وقد تصيب مقتلاً.. ‏

ولكن هل يمكن أن نتصور ثقافة حقيقية تحظى بالمسؤولية والصدقية والمصداقية بلاحرية؟ هنا، أيضاً، علاقة طردية سلبية بين الثقافة وبين القيود والتسلط والإرهاب الفكري والتكفيري.. فكلما اتسع نطاق التشدد والتعصب والتسلط.. كلما ضاق الفعل الثقافي، وقل العمل الإبداعي عموماً، والعكس صحيح، إن الثقافة الحقيقية لا تنمو وتزدهر وتعطي أكلها إلا في مناخات الحرية «حرية التنظيم، والاختيار، والتعبير، والتفكير..» والتعددية والديموقراطية واحترام الإنسان وحقوقه في مختلف المجالات والميادين.. ‏

إن «الثقافة» الظلامية، والمتعصبة التكفيرية التي لاتعترف بوجود الآخر، ولا تقر بحقه في الحياة والرأي المخالف.. وكذلك «الثقافة» السلعية/ التجارية، والنفاقية، والتقريظية الجوفاء، و«الطبالية» والمداهنة، والخانعة.. ‏

هي «ثقافة» سطحية تسطيحية، دموية وتدميرية على الصعد كافة «...» تجعلنا أشلاء متناثرة على قارعة الحياة والحضارة.. ‏

الثقافة التنويرية، إن لم نقل أكثر، وثقافة المقاومة الشاملة، وثقافة المساواة والعدالة التي هي فوق أية ثقافة أخرى، وثقافة الحوار الذي يعترف، حقاً وحقيقة بوجود الآخر، ويرفض بشكل مطلق الحجر على هذا الآخر المخالف، و«إعدام» أفكاره وآرائه ووجهات نظره.. هذه الثقافة التي تقوم على دعائم التنوير والمقاومة والمساواة والعدل والحوار.. هي، وحدها، الثقافة التي تكفل بناء مجتمع عادل، تقدمي، ديموقراطي وعلماني.. مجتمع حضاري، إنساني، متعدد وحر يليق بالحياة الكريمة وبإنسانية الإنسان ومفردات وجوده... ‏

مشكوررررر اخي