يالك من ظالمٍ أحبه

يالك من ظالمٍ أحبه

ثقب فى جسد العالم ، ثقب يخلخل الوقت ؛ ويسبح فى خلجات الروح ...

ثقب قد صنع لى هامشاً فى منتصف القلب وطوقنى حتى الموت .. ليس عدماً ، ولا هديراً ؛ ربما سديم يغطى سحابة القلب ، فأغمض عيناً ؛ ثم أفتحها على لانهائى ممتد ..

ايه ؛ يا التى ألقيت عندها أحزانى ، ثم رحلت فى صمت آسنٍ ؛ وغامض أيضاً .. من أنت ؟ !

أعوام مرت وأنا أطوقها بين حنايا القلب ؛ واسأل : ما الذى جاء بها ، ومن أين أتت ؟ !

رياح الجنوب تأتى مشوبة بأعاصير ممطرة ؛ لقد أمطر حبها قلبى ، وعششت اللبلابةداخل القلب الأخضر فلربما الرياح التى غمرت روحى - يومها - كانت بمثابة تحول لى فى الحياة كلها .

قررتُ أن أعيش لها ، وبها ... لذا ضممت الإبتسامة التى منحتها لى ، وهى تغادر روحى لترحل إلى الجنوب البعيد..

أعوام تَمُرُّ ، وأنا أتقلَّبُ فى فراشى ، كجمرة تحترق للسقيا إذ الجمر لدى قلبى قد أصبح موقداً يضئ لى الحياة !! .

كل المفاتيح لديكَ ، لكنكَ بعنجهيةٍ كنتَ تتحاشى أن تنظر حتى للأفق الممتد !! .

يالك من ظالمٍ أحبه ، ومن عاشقٍ أتشهاه عند نومى الذى لايأت إلا حين يطل طيفك .

كانت تنوح ، ويجوح قلبها ، فقد مر العمر والتوت لم يتهيأ بعد لاستقبال العصافير ، أسمعها تتمتم : لقد عقصت لك ضفيرتى وهيأت لك .. وتهيأت ..خذنى إليك ، وافتح فى دفتر القلب ثقباً ، وأرح صوان قلبى ، ماذا تنتظر بعد ؟!

أنت حبيبى الذى كنت أبحث عنه فى دروب الروح ، وأنا يمامة جاءت لتحط حولك جناحيها فما ضممتنى ، وما قضمتنى ، وأنا الذى فتحت لك شرفة قلبى وانتظرتك .. أنت خيالىّ ، رومانسىّ ، وربما تكون شاعراً يسوح الدنيا ، ويهيم بحوريات يجئن لديك ليجلسن عند قدميك !! .

ربما أنت تعشق ، ولكن بالطبع لست أنا ، فما كنت أعرض عليك ذاتى ، فقد غصت فيك حتى مرّغت الخدين ، ودموع العينين ، وطفت بأرجائك ، ثم عشت العمر فى انتظارك الذى طال .. ربما نزوة كانت لديك ، وربما اعجاب سريع ويمضى ، وربما كنت طفلاً يلهو بالدمى التى تنظر بانسيابٍ ليديك الحانيتين .. كم أشتهيك ، أيها الشمالى الساكن قطيفة قلبى ، سر بجوادك فوق أحزانى ، ولملم حطامى ، واخطفنى بعيداً ، بعيداً .. لقد بكت حبات قلبى وتناثرت عند مرورك ، لكنك لم تبحث عنى ، لم تنتظر ، ولم تنظر حتى

عذبتنى ومضيت تحكى عن مغامراتك فى بلاد الجنوب ، وكيف فتحت الممالك ، بينما كانت مملكتى تنتظرك لتدخل دون فتوحات فقد كانت كل المفاتيح لديك .

كتبت لك كلاماً أشهى من حبات الكرز ، وقطع السكر التى تذوبها لتشعل جبينك الهلامى .. وأنا فوق كل هذا أقول :

أنت كل شئ ، فحبك يزيد اشتعالى أيها الشمالى الآتى من صحراء الحب .. لازلت أردد كلماتك : " أيتها الكهرمانة الحبيبة ، أنتِ لُبّ فؤادى ، تفرشين بؤبؤ زمردك على روحى فأستنشق عبق الحياة " .

لازلتَ مغروراً ، ومع كل هذا لقد طوّقت قلبى حتى آخر نبضةٍ تقطر بعصير حبى ، لقد جئت لتشعل جذوة الموقد

والموقد لايزل يعيش بحطب حبك المحترق ..

ايه يا صغيرى : ماذا فعلت بى ؟!

لم تكن تتكلم ، بل كانت عيونك الخضراء ، ومع كُلِّ لم تُقَدِّم خطوة تقربنى إليك .. لقد تقابلنا على غير موعد ، تكلمت عيوننا ولم نهمس ، بل عشنا ساعات حسبناها دهوراً مرت واكتفيت بطيف روحك الذى يعطر القلب ، فياليتنى لم أذهب إلى هناك حيث أنت ..

لقد كنت العذاب اللذيذ ، ولكن إلى متى ؟! ...

لقد مر العمر ، وأنا أنتظركِ ، مثلما مرت السنوات حين رأيتك لأول مرة فى شارع الحب بفندق الحياة الذى يضم العشاق ..

هل تذكر ياحبيبى يوم أن كتبت لى كلاماً جميلاً ، وجئت لتقدم لى الوردة فى خجل ، يومها لم تكن صديقتى تعلم بأننى أدس الورقة الزرقاء فى الروح ، بل كنت أباغت نفسى لأدسك بين ضلوعى ، وكنت زائغ الفكر فى لانهائى غامض وغريب ..

آهِ .. لو أعرف ما الذى تريد وفيم تفكر يا حبيبى ؟!

أنا المدفأة التى ستضمك حين انهمار المطر فماذا تنتظر بعد وفيم أنت شارد الفكر ؟!

سأقص عليك حكاية بِنْتٍ جنوبية لم تعرف أنت افتتاحيتها إذ بنات الجنوب لهن مفاتيح تبدأ بقبلة تعارفٍ طازجة حيث يكون الدفء لتبدأ مسامرة على ضوء الشموع ، ودق الطبول ..

لقد عاشت البنت الصغيرة قرب النهر ، وكل صباح كانت تذهب لتجلس حول اللبلابة المتسلقة الحواف .. وفى احدى المرات سقطت ورقة فوق خد الماء فبكت اللبلابة حزناً ، فكان أن ألقت البنت بنفسها فى الماء لتنقذ الورقة الخضراء قبل أن يجرفها الماء ، فظلت حبيسة لأفراس الماء ، فكانت عروس النهر التى تنتظر كل عام فارساً لتضمه إلى مملكة الماء ..

وبعد ياحبيبى : ماذا أقول لك ؟!

لقد مرت الأعوام الكسالى علىَّ ، وأنا أتحرق لسماع أخباركً ، كنت أشترى كل الصحف لأقرأ فربما تجئ احداها

بخبرٍ عنك ، ومع هذا كنت لا أقرأ صفحة الوفيات حتى لا أُصْدَم ، وأظل أعيش لك ، وبك ..

سأكشف الآن سرك لكل الناس ، فربما أجد من يدلنى على مكانك سأقول لهم : أنت هناك ، تسكن شارع الحب بجوار شاطئ العشاق ، فى الحديقة المجاورة " لإفروديت " معذرة لا .. بل أنت تعيش بجانب شاطئ الأحلام ، قرب غابة النخيل الشامخ ، عيونك خضراء ، وشعرك ليلكى ، خجول كقطة ، وشامخاً كجبلٍ .. تترك كل مساء أردية صمتك لتتقوت بعشاء المحبين وتستسقى زادهم ، وتَفْجُرَ ماءهم وتتملاهم ثم تجلس صامتاً ، عيناك قد براهما الحزن فانسال نهران من وميضهما ، أحدهما مالح يمر بجنوبنا البعيد ، والآخر عذب يمر بشاطئ محرابكِ الذى صنعته من أوراق التوت والبردى .. لقد عرفت من بعض الكهنة أن " كليوباترا " قد أرسلت فى إثرك عندما رأتك تتريض عند شاطئ الموسيقا ..

آهِ يا من أحبه ، كم عذبتنى ، فاستسغت الحنظل لأسكبه

ثلاث مراتٍ على جسدى كل يوم حتى يزهد فِىّ الفرسان ..

لقد تجرعت العلقم من شفة القيظ فما مللت ولكنك قد استسغت سقيا الحنظل لأظل أتجرع المرار .. حقاً كم أنت ظالم لحبى ياحبيبى ..

لقد كنت بليدة جداً فى مادة التاريخ لذلك أحببتك ، وكنت أتظاهر بذلك حتى تفهم ، فالقطة الأليفة قد أحبت منذ يومين ثعلباً ؛ ولن أقول : غالىاً حتى لا يزعج الآخرين بنباحه المتلاحق ..

معذرة ياحبيبى ، فأنا لا أقصد بالطبع أن أجرح مشاعرك لكنك لم تفهم بعد..اننى أحبك يا هذا ، يا أنت ، سأسميك العندليب ، وأنا الأميرة التى تهوى الغناء من همس شفتيك .. لقد قلت لك كثيراً ، وسكرت بخمر حبك فمتى تأتى ؟

اننى أحتاجك بشدة ، هل تفهم .. أحتاجك لِتَبُلَّ الروح ، وتبلل الأوراق الصفراء .. لقد تكلمت أكثر من اللازم فماذا ستقول ؟ ولأى سوف تسير ، ولأىِّ سوف تنتسب ؟!

جزاك الله كل خير