مفاتيح القلوب! مميزجدا

مفاتيح القلوب!

وجهُ الحياةِ بلا مشاعر، كوجهِ صحراء قاحلةٍ لا ظلَّ فيها ولا شجر..! وأنفسٌ بلا مشاعر هي أنفسٌ خاويةٌ لا يترددُّ فيها سوى الهواءِ، كتردِّد الرِّياحِ المجلجلةِ في بيتٍ موحشٍ، مهجور..!! فمن يتمنى أن يعيش في صحراءَ كتلك، بنفسٍ كهذه..؟!! يستنكر الكثيرون ذلك.. لكنّهم يعيشون بالفعلِ هذا الواقع..! فحياتهم فارغةٌ من المشاعر.. وهم لا يحيون في الحياةِ سوى أجسادٍ تعلو وتهبط.. تسيرُ وتجيءْ.. جدولٌ يوميُّ من المشاويرِ، والأعمالِ، والعلاقاتِ التي لا تستدعي حضورَ المشاعر.. وفي البيتِ لا تحضرُ المشاعرُ بين زوجٍ وزوجتهِ، بينها وبينه، بين والدٍ وإبنهِ أو إبنتهِ، بين أخٍ وأخيه أو بينه وأخته، بين صديقٍ وصديقه.. بين صديقةٍ وأخرى.. إنّما يسودُ الكلام اليوميُّ المستهلك وهو يعيدُ الإسطوانةَ ذاتها عن فلانٍ أو فلانةٍ ما زاد عندهما وما نقص، وعن أسعار السّلعِ وما غلى فيها وما رخص، وما حدث في المشاويرِ والطرقاتْ، وما طرأ على الجوِّ من تقلُّباتْ ..وأخبارُ العالمِ بحروبهِ واقتتالاتهِ.. إنّما المشاعرُ هامدةً، خامدة لا يحرّكها ساكنٌ من بقعتها، ولا يناغش أجواء الرتابة والملل اللذين تحياهما مناغش..!!

تحت سقفٍ واحد، تعيشُ أسرةٌ واحدة، فإن لم تكنُ تفصل أفرادها عن بعضهم جدرانٌ إسمنتيّة ، فإن جدراناً أسمكُ وأمتن هي التي تفصلهم عن بعض، هي جدرانُ المشاعر..!! لا يقرِّب القلوبَ انتفاءُ الجدرانِ الماديّةِ وإنما انتفاءُ الجدرانِ النّفسية..! وهذه الجدرانُ لن تنتفي ولن تختفي إلاّ بالتعبير عن المشاعر، بالدخول في كنهِ القلوبِ، بجلوسِ النّفس إلى النّفس وليس بجلوس الجسد إلى الجسدِ، بتناقل الحسِّ الإنساني المحمَّل في النّفثات الحارةِ التي تأتي من أعماق النفسِ، بالحميميةِ الدافئةِ التي تحفِّز القلبَ على الحديث.. كيف لهذه الأُسرة أن يستشعر أفرادها بالحياةِ وجمالها وهي فارغةٌ من المشاعر.. أبٌ لا يتحدّث بقلبهِ مع أبنائهِ، وأمٌ لاهيةٌ لا تعيرُ اهتماماً لمشاعرِ أبنائها وهما الاثنان لا يجدانِ مبرّراً قويّاً للحديث حول المشاعرِ الدافئةِ بينهما.. إنهم يعيشون زنزانةً في الوقت الذي يستطيعون أن يعيشوه في جنَّةٍ وافرةٍ من المشاعرِ الخصبةِ حيثُ ترعى قلوبهم فيها..!

أسرٌ تطولُ كسلسلةٍ طويلةٍ، لكنها سلسلةٌ جدباءَ لا مشاعرَ تربطها، ولا أحساسيس دافئةٍ تقوّيها.. ولا يفرضُ سوى (الواجبُ) التواصلَ بينها.. إنّما ألف جدارٍ يفصل بين قلوبها.. لا تلتقي إلاّ في مناسباتٍ فاصلةٍ في تاريخها الأسريِّ، لقاءً جافاً عابراً.. فما قيمةُ العلاقةِ الإنسانيةِ إن لم تقرِّبها رهافةُ المشاعرِ، ورقَّةُ الأحاسيس، ودفء الأنفاسِ؟!

وبين الأصدقاءِ يغيبُ حديثُ المشاعرِ، حديثُ القلوبِ إلى بعضها، فحياتهم ذهابٌ وإياب.. حضورٌ وغيابْ.. وبين هذين الطرفين نفوسٌ حيرى مكتومةٌ فيها ما فيها من الحاجةِ للكلامِ..؟! فلمَ لا يبوحُ النَّاسُ بمشاعرهم، ويطلقون عنانها عند من يحبُّون..؟! هل هو الحياء؟! الكبرياء؟! جفاف المشاعر؟! ضيقُ الوقت؟! اختلالُ المفاهيم؟! غلظةُ الطباع؟!.. هذه الصفاتُ جميعها حرّاسُ تلك الزنزانةِ الكئيبة، فإذا ما حطّم الإنسانُ جدرانها أمام من يحب واباح بسرِّ وجدانه، وطوايا نفسهِ سقط كل أولئكَ الحرّاس.. في لحظةٍ انتصار بهيج..!

وحينَ يغيبُ طرفٌ يقول الطرفُ الآخرُ ليتني قلت له كذا وكذا..!! أينك وقد كان بينك؟! وأين كانت هذه المشاعر المكبوتةِ التي دُست عليها في حضوره ثم لمت نفسك عليها في غيابه..؟! لقد غيّب هذا نفسه إذ تسبَّب في غيابِ من يحب، يقول المتنبي:

إذا ترحّلت عن قومٍ وقد قدروا .. أن لا تفارقهم فالراحلون هُمُ

ويقول الروائي ماركيز وهو يتحدث عن إحدى شخصياته الروائية بعد أن مات زوجها: "رجت الله أن يمنحه لحظةً من الحياةِ على الأقل، كي لا يمضي دون أن يعرف كيف أحبّته فوق شكوكهما كليهما، وأحست باستعجال لا يقاوم للبدء معه بالحياةِ ثانيةً منذ البداية لتقول له كل ما لم تقله، ولتفعل على أحسن وجهٍ كل شيءٍ أساءت صنعه في الماضي.."

هذا هو حالُ الكثيرين مع من يحبُّون.. إشتياقٌ ومشاعر فيّاضةً في غيابهِم.. وضحالةٌ وصمتٌ في حضورهم..!! فأين هو طعمُ الحياةِ إن لم يُبحِ المحبُّ بسرّ قلبهِ لم أحب..؟! وأيةُ علاقةٍ هذه التي يرادُ لها الدوامُ والوفاءُ والإخلاص وهي خاليةٌ من حديثِ القلوبِ إلى بعضها البعض..؟! أم كتب البشرُ على أنفسهم أن يتنقلوا عبر محطّاتِ الزّمنِ، ومراحلِ العمرِ محرومين من الأحاسيس الجميلةِ التي تجعل قلوبهم أشبهُ بحدائق غنّاء..؟!!

يقولُ أحد الكتّاب البريطانيين في لقاءٍ إذاعي مع "البي بي سي": لم يعد للأسرة البريطانية وجود.. كل ما تفعلهُ الأسرةُ إن اجتمعت هو مشاهدةُ التلفاز..!!"

الحياةُ - باختصار - ليس لها معنىً ولا قيمة إن لم تكنُ تكسيها المشاعرُ الجميلة بالأُنسِ والابتهاج.. فمن كبت مشاعرهِ، فقد حجرَ نفسه في زنزانةٍ موحشةٍ لن تسبِّب له سوى الاكتئاب في حياته.. فالحياةُ قد فقدت طعمها لديه..!!

بارك الله فيك

الحياةُ - باختصار - ليس لها معنىً ولا قيمة إن لم تكنُ تكسيها المشاعرُ الجميلة بالأُنسِ والابتهاج.. فمن كبت مشاعرهِ، فقد حجرَ نفسه في زنزانةٍ موحشةٍ لن تسبِّب له سوى الاكتئاب في حياته.. فالحياةُ قد فقدت طعمها لديه..!!

شكرا لمساهمتك

اقتباس :: الحياةُ - باختصار - ليس لها معنىً ولا قيمة إن لم تكنُ تكسيها المشاعرُ الجميلة بالأُنسِ والابتهاج.. فمن كبت مشاعرهِ، فقد حجرَ نفسه في زنزانةٍ موحشةٍ لن تسبِّب له سوى الاكتئاب في حياته.. فالحياةُ قد فقدت طعمها لديه..!!

الله عليك ياااااااااا جاااااااااااامد
جزاكم الله خيرا
موضوع فى غاية الجماااااااااااااااااااال

شكرا لرأيك الرائع والجميل يا اسامه

وانشاء الله دائما فى تقدم ونجاح