ما أضيق العيش لولا فسحة الخيال، وما أتعس الحياة لولا سعة الكون

ما أضيق العيش لولا فسحة الخيال، وما أتعس الحياة لولا سعة الكون واتساع المعنى

يدي تستريح بلا سبب، ترمق العنكبوت وهي تنسج بيتها أو قبرها نسيجاً محكماً، غير أن العقلاء لا يفعلون ما تفعله العناكب، فهم لا يبنون بيوتهم بلا نوافذ تسمح للهواء بالتجول بحرية في أروقة المنازل، يتركون حريةً معلقةً لهم فيما يبنون أمنهم وأمانهم بشكل هندسي منظم، يحمون أنفسهم وذكرياتهم وأشياءهم من خطر الاستباحة والسرقة والعبث والفوضى.

لكن الكثير من البشر يشعرون بنوع من البهجة والسرور حين ينقضون على بيوت الآخرين ويهدمونها ما أبسط هدم بيوت الحرير، وما أسهل هدم كل بيت حتى لو كان قصرا من حجر العناد والتصميم، وما أسهل القول أن الشمس زائدة على الظهيرة، وأن القمر عبء على السماء، وأن النجوم ترف فلكي.

ما أسهل شطب كل شيء بمزاج النكد والقرف، أو عقدة المعرفة، فالبعض يراك بلا موهبة وبلا مكانة وبلا أثر، ما دام يعرفك ويراك ويتحدث إليك، وما دام يجلس في نفس المكان الذي تجلس فيه، فأنت لا تشكل له قيمة مطلقا، وحين قالوا لا كرامة لنبي في وطن ، كاد ينقص هذه الحكمة بعض التفسير لعل ذوي القلوب المريضة يفيقون من نعاس الحسد، وغبش الضغينة الجاهزة بلا ثمن.

في الكثير مما يقال ويلاحظ تقل وتتلاشى قيمة الكائن ما دام لم يأت من كوكب آخر، ولم يجئ من فضاء بعيد، شريطة ألا يمكث طويلا بيننا فلا بد من أن يختفي، ولذا فضل البعض الهجرة أو الغربة أو الانكفاء والعزلة، على جيرة الكراهية ونقص التقدير والحقد المجاني.

المرض مستحكم فينا، وعقدة النقص تغرقنا جميعا، في حالة من العماء التي لا نرى فيها بعضنا ولا أنفسنا، وهي سمة الكائنات البدائية، التي ينقصها الكثير من الرقي لاحترام ذاتها وعقلها، قبل أن تلغي الآخرين بلا أدنى مبرر، وبجرة نظرة جاهلة حاقدة.

ما أضيق العيش لولا فسحة الخيال، وما أتعس الحياة لولا سعة الكون .