مراقبه اللسان

مراقبه اللسان

--------------------------------------------------------------------------------


بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين









عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: (( قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار ، قال لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان ، وتحج البيت . ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل من جوف الليل ، ثم تلا ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) حتى بلغ يعملون . ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ قلت بلى يا رسول الله ، قال : رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد . ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه قال كف عليك هذا ، قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال ثكلتك أمك ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح . قال الحافظ ابن رجب : وخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه)


بين رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث لنا ما هو الاسلام، وقدم لنا أبواب الخير التي تقربنا من الله جل وعلا، لنكسب رضاه فندخل جنته، ثم ختم لنا بما يجمع الأمر كله، فنستطيع به تملك زمام أمورنا في حياتنا الدنيا، ألا وهو كف اللسان، والتحكم فيه، فنحن - ولا شك - مؤاخذون على ما نتكلم به، حتى ما قد نعده من التوافه الحقيرة، التي لا وزن لها لدينا، وهو أمر ينبغي التنبه له، فإن ملكنا ألسنتنا، سلمنا من العواقب الوخيمة باذن المولى عز وجل.









فكيف لنا أن نضمن ألسنتنا؟ وهي التي نستحقر شأنها ولا نلقي لها بالا، حتى تكاد توردنا المهالك بآفاتها - أعاذنا الله منها وسلمنا - ونحن غافلون، ومنها :

_ _ ،،_ _

الشرك في القول، وهو من الشرك الخفي، كأن تقول " وحياتي أو والكعبة أو والمصحف "، فهذا حلف بغير الله، والله تعالى ينهانا أن نحلف بغيره، فالحلف بغير الله فيه مساواة بين الله تعالى وبين مخلوقاته، وهذا لا يصح شرعا وعقلا، ويعد هذا من الشرك الخفي، الذي لا يفطن له المرء، فقد جاء يهودي إلى النبي صلى الله فقال : ( إنكم تشركون ، تقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون والكعبة ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة ويقولون : ما شاء الله ثم شئت ) رواه النسائي .




_ _،،_ _

ومن آفات اللسان: النميمة وهي السعي بين الناس بالافساد والتفرقة، فمخاطرها وخيمة العاقبة، فهي تنشر القطيعة بين الناس، والله عز وجل يريد لنا اللحمة والتعاضد والترابط، قال صلى الله عليه وسلم: (( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ )) رواه البخاري ومسلم.



_ _،،_ _

ومن آفات اللسان الغيبة وهي ذكر الغير في غيبتهم بمايسوءهم قال تعالى: (( وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ )) (الحجرات: 12).فالكل لا يرغب بأن تذكر عيوبه أمام الخلق، فكيف إن كانت كذبا وبهتانا! والله سبحانه وتعالى أمر بالستر، وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يستر عبد عبدا في الدنيا ، إلا ستره الله يوم القيامة )).


_ _،،_ _

ومن آفات اللسان، الكذب و الاشاعات وهي اطلاق الأقاويل بين الناس، ونشرها دون التحقق منها، ولا يأتي من وراء الاشاعات خيرا ابدا، فهي دائما تثير القلاقل والبلابل بين الناس، قال نبي الأمة صلى الله عليه وسلم قال: (( ورأيت رجلاً جالساً ورجلاً قائماً بيده كلوب من حديد -حديدة معوجة- يدخل ذلك الكلوب في شدقه ويشرشره ويقطعه من شدقه الأيمن إلى القفا، ثم يعود فيضع الكلوب في الشدق الأيسر ويشرشره إلى قفاه، فيعود الشدق الأيمن سليماً، فيعود فيشرشره.. وهكذا باستمرار، فسألهم: من هذا؟ قالوا: أما الذي رأيته يشق شدقه فكذابٌ يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة )) (البخاري)

_ _،،_ _

ومن آفات اللسان: اللعن وهو منتشر بين الناس كالنار في الهشيم، فيلعنون بعضهم البعض أو أشياءهم أو حتى أنفسهم أو أعضاءا في أجسادهم، وياللعجب!! وعن أبي الدر داء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبو أبها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فان كان كذلك أهلا وألا رجعت إلى قائلها )) أخرجه أبو داوود

_ _،،_ _

ومن آفات اللسان: القذف وخص الله منه قذف المحصنات المؤمنات الغافلات، وجعلها من السبع المهلكات، فنتائجه بشعة ومدمرة، أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( اجتنبوا السبع الموبقات ، قيل يا رسول الله وما هن ؟ قال الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات )).

_ _،،_ _




وتوجد آفات أخرى، ولكن هذه أعظمها، لما تخلف أثرا عظيما يفرق بين الناس، ويزرع القطيعة بينهم. إن اللسان عضو صغير، غير أن فعله كبيرا، وذا عواقب قد تكون وخيمة، فنسال الله العلي القدير العافية.











في مسند الإمام أحمد رضي الله عنه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه )).
إن استقامة اللسان هي اساس استقامة المرء في سيره في دروب حياته، فإذا ملك المرء لسانه بأن يتكلم بالخير والمباحات، فهو يخطو قدما نحو الجنة - بإذن الله تعالى - وروى الطبراني من حديث أسود بن أصرم المحاربي قال: ((قلت يا رسول الله أوصني ، قال هل تملك لسانك ؟ قلت ما أملك إذا لم أملك لساني ، قال فهل تملك يدك ؟ قلت ما أملك إذا لم أملك يدي ، قال فلا تقل بلسانك إلا معروفا ، ولا تبسط يدك إلا إلى خير )) فليسعى الفرد منا في القبض على لسانه، ومراقبته، بل ومحاسبته، فالكلمة قد ترفعنا، او قد تهوي بنا - لا قدر الله - في الصحيحين من حديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وان العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم ))










إن جامع أمر اللسان في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )) رواه البخاري ومسلم.

الخير في القول يكون في ذكر الله تعالى، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والسعي بالاصلاح بين الناس، والكف عن ذكرهم في خير او شر، والكلمة الطيبة صدقة، كلمة حق عند سلطان جائر، والأعلى من ذلك قراءة كتاب الله عزوجل القرآن الكريم.

قال الحسن البصري : " تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن ، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق .










روى الأمام الترمذي وحسنه الألباني عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا اصبح ابن أدم فان الأعضاء كلها تكفر اللسان ـ أي تخضع له ـ فتقول : اتق الله فينا فإنما نحن بك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا ))


والمرء يدل عليه لسانه، فهو يعرف من منطقه، قال زهير بن ابي سلمى:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده .. فلم يبق إلا صورة اللحم والدم


ولنتذكر جميعا قول الله تعالى: ((مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ))[ ق : 18 ].