الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة

بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان
الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، وسيد ولد أدم أجمعين.. نبينا, وحبيبنا,
ورسولنا, وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم.. سلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته..
وهذه حلقة مباركة من حلقات الرسول صلى الله عليه وسلم والحياة.. الرسول صلى الله
عليه وسلم كل إنسان في هذا الحياة له إنسان يقتضي به, ويحاول أن يتبع بعض أثاره,
وبعض صفاته.. فأنت عندما تتكلم عن صفة الصبر لابد أن تجد أناس صابرين أمامك فتصبر
مثلهم, وتريد أن تجد إنسان خلوق تجد إنسان متسامح متساهل مبتسم يراعي ظروفك وأحوالك
الشخصية والنفسية فأنت تقتضي بمثل هذا السلوك, وبمثل هذه الصفات هذا معنى أن يقتضي
الإنسان أو يتأسى بشيء من صفات الطرف الأخر.. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان هو
النموذج, والقدوة, والأسوة التي من خلالها يعرف الإنسان الصفات النبيلة من الصفات
غير النبيلة؛ لأن من طبع الإنسان أن يصيب, ويخطئ.. فقد ترى عند الإنسان صفة معينة
لا تدري هل هذا مقبول أو مرفوض؟ لكن النبي عليه الصلاة والسلام كان هو المعيار وهو
النموذج للأسوة الحسنة ثم إن الإنسان بالفطرة يحب أن يرى إنسان أو نموذج أمام عينيه
فتجد هذا المرء مثلا يحب صفات معينة فطرية.. يعني يأنس لها يحب مثلا الإنسان الذي
يداعب ويبتسم ويضاحك.. يحب الإنسان الذي يتمشى مع الناس ويتنزه معهم, ويخرج,
ويشاركهم في همومهم وأفراحهم وأحزانهم أشياء صفات معينة.. يحب أن تكون موجودة فيه..
كذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي النماذج ويعطي القدوات من خلال سلوكه,
وسمته صلى الله عليه وسلم.. لماذا؟ لأنه يتجاوب مع فطرة الإنسان السوية فإذا القدوة
شيء طبيعي أن الإنسان يرى من هم أمام عينيه لكن في سؤال معروف ما الفرق بين القدوة
والأسوة؟ في أناس يمكن أن تقتضي بشيء من فعالهم.. لكن ليس كل الأفعال, وكل الصفات
إلا الرسول صلى الله عليه وسلم { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ} بمعنى أن الرسول الوحيد صلى الله عليه وسلم الذي تقتضي به في كل شيء في
حياتك.. بينما البشر الآخرين ممكن تقتضي بصفاتهم لا أن تتأسى بكل صفاتهم؛ لأن
الإنسان العادي يمكن يخطئ, ويمكن أن يذل, ويمكن أن يفكر أفكار غير صحيحة, وغير
سليمة.. لكن النبي صلى الله عليه وسلم فيقرر بالصفات السليمة المطلوبة لذلك هو
الوحيد الأسوة, وغيره لا يمكن أن يكون مثله فأنت تقتضي بالناس بالبشر الذين هم في
حياتك في صفات معينة قدوة.. لكن الرسول محمد الحبيب عليه الصلاة والسلام يقتضي به
في كل شيء؛ لأنه هو الأسوة عليه الصلاة والسلام.. فالله تبارك وتعالى قال: {وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي
مِنْ الْمُسْلِمِينَ} الفخر الرازي يقول: هذه الصفات الثلاثة دعوة إلى الله عمل
صالح, وأنت تقول بأنني من المسلمين بمعنى أنك تبين منهجك, وتبين طريقتك في الحياة..
يقول: هذه أعظم الصفات, وأعظم الدرجات لا تكتمل إلا لواحد وهو الرسول صلى الله عليه
وسلم.. يعني هو الوحيد الذي يتكلم ويقول للناس, ويعظ وهو الذي يعمل صالح بمعني يطبق
كل كلمة يقولها لذلك اجتمعت فيه واحد شخص فقط.. وهو محمد صلى الله عليه وعلى آله
وسلم.. وهذه القدوة تحتاج أن تجد نماذج أمام عينيك حتى هو وإن كان النبي طلب منه أن
يقتضي بالأنبياء قبله {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} يعني بالأنبياء من قبله {قَدْ
كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} أسوة لها {فِي إِبْرَاهِيمَ
وَالَّذِينَ مَعَهُ} أي الذين آمنوا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام هذا تعليم لنبينا
محمد صلى الله عليه وسلم أن تقتضي بأسوة الأنبياء, وبإبراهيم عليه الصلاة والسلام
والذين آمنوا معه, وهذا دائما يجعنا نهتدي, ونقتضي ونستفيد من تجارب الآخرين
وبثباتهم, وإيمانهم, وصبرهم حتى نعطي النموذج نحن للآخرين {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} لما كان الرسول صلى الله
عليه وسلم هو النموذج والقدوة كان النساء حوله يطبقن هذه الصفات فهو يدلهم على
العفة والأمانة, والتقوى, والصلاح ولأنهم النموذج, والقدوة شدد الله سبحانه وتعالى
عليهم العقاب إذا خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم, وأمر القرآن وأمر الآيات
الكريمة إنه { مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} ما النتيجة {
يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} لأنكم الآن في حضرة الرسول صلى الله عليه
وسلم, وفي بيته الشريف تقتضون بفعاله وبأقواله, وبسمته.. فعندما تخالفون فعله عليه
الصلاة والسلام.. لا أنتم يشدد عليكم العقاب فالإنسان عندما يكون في بيئة صالحة
يفترض أنه نموذج, وقدوة, وأن فعاله ينبغي أن تكون مضبوطة أكثر من غيره.. لكن
الإنسان الضعيف اللي في بيئة ربما تكون فيها نوع من الفساد, ونوع من الضعف الإيماني
يعني هذا ممكن تمر شيء من أخطائه البيئة ما تساعده.. لكن الإنسان عندما يكون إمام
أو يكون شيخا أو يكون مربيا أو يكون أبا فيكون قدوة سيئة للآخرين هذا لا ينبغي أن
يكون له لذلك جاءت هذه الآية تعظنا وتذكرنا على أن الإنسان كلما كانت حوله الصفات
الجميلة, والإيجابية عليه أن يقتضي بها, ونلاحظ أنه شيء طبيعي عندما يخالف قولك
فعلك أن يكون هناك موضع إشكال عند هذا الإنسان فأم سلمة رضي الله عنها في الصحيحين
سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تؤدي الصلاة نافلة بعد صلاة العصر فوجدته
يصلي نافلة بعد صلاة العصر وكان عندها نساء من وفد الأنصار من بني ملحان تتحدث معهم
زوجات النبي صلى الله عليه وسلم طبيعيين.. يعني عندهم ضيوف يأتون إليهم ويتكلمون,
ويتحدثون, وينكتون فيما بينهم قصص نسائية فلمحت أن النبي عليه الصلاة والسلام يصلي
نافلة بعد العصر وهو قد نهى عن ذلك فقالت للجارية تعالي اذهبي فسألي رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن أدائه الصلاة بعد العصر فذهبت إليه لتسأله فتحدثت معه أم سلمة
جاءت تقول أن لماذا تصلى النافلة؟ فأشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم هكذا يعني
الآن أنا في لحظة صلاة فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته نادى أم سلمة
فقال: يا ابنت أمية كان عندي وفد من بني عبد القيس بعد الظهر, وشغلوني عن النافلة..
يعني عن نافلة الظهر؛ لأن الظهر فيها نافلة بعد الصلاة فشغلوني عن النافلة فها أنا
ذا أؤديهما بعد صلاة العصر أن الركعتين بعد العصر هي عبارة عن تعويض عن ركعتي
الظهر؛ لأن وفد بني عبد القيس شغلوني عن الصلاة, وهذا يعطينا أيضا عبرة أنه عليه
الصلاة والسلام يؤدي الأولويات فهناك ضيوف عنده, ومشغول بهم في هدايتهم, وتوجيههم,
ونصحهم هذا أولى من أن يؤدي النافلة الركعتين التي بعد صلاة الظهر فقدم الوفد
والحديث معه, وإكرامه, والاهتمام, والاحتفاء به ثم بعد ذلك عوض الركعتين بعد صلاة
العصر فكأنه عليه الصلاة والسلام يعلمنا فقه الأولويات ويعلمنا كيف أن نكون قدوة
حسنة صالحة وهنا يأتينا سؤال عجيب أن النبي عليه الصلاة والسلام ما قال أنا نبي,
وعليكم أن تصنعوا مثل ما أصنع مثل ما تروني, ومثل ما أفعل لا يوضح لهم لماذا صنع
ذلك؟ ولماذا فعل هذا كل هذا؟ حتى الناس تقتضي به فإذا كانت زوجته أم سلمة تعرف أنه
نبي, ومع ذلك استشكلت الموقف فأراد أن يبرر لها سبب فعل هذه الأعمال, وكل إنسان
قدوة صالحة إذا رأى أنه سيصنع شيء يستشكل على الناس فلا بد أن يقول لهم لماذا فعلت
كذا؟ ولماذا صنعت كذا؟ الإنسان الزوج في بيته مع زوجته أو مع أولاده لابد أن يقول
ترى صنعت هذا التصرف لمصلحة كذا, وكذا حتى لا يرون إلى فعل يخالفه القول, وكذلك
نلحظ أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه استفاد من تجربة النبي عليه الصلاة والسلام
في بيته كيف استفاد منها؟ استفاد منها من خلال جمع أهل بيته.. فأحيانا يذهب إلى
الناس ويجد عنده تصرف معين مثلا مشغولين بالدنيا فيأمر أمر رضي الله عنه, وأرضاه أن
ممنوع منكم أن تصنعوا كذا وكذا فيذهب إلى أهل بيته, ويجمعهم, ويقول لقد نهيت عن فعل
كذا وكذا وأيم الله لو أني أعلم واحد منكم فعل كذا وكذا لعاقبته يعني أنا الآن أمرت
الناس بأمر, ونهيتهم عن فعل شيء, والآن يجمع أهل بيته, ويقول: إياكم أن تتصرفوا
بشيء تقول: والله نحن أهل الخليفة, وأهل الأمير, والوزير لنا أحكام خاصة لنا أحكام
مستقلة لا أنتم أول الناس بالتطبيق خلاص في قرار للوطن كله للوطن العربي أو للجمهور
أو للشعب ترى أمرناكم بأن تخففوا من الكهرباء أمرناكم بأن تخففوا من الماء تجد هو
الوحيد في بيته الكهرباء شغالة 24 ساعة والماء, والنوافير, والمسابح لا الخليفة عمر
بن الخطاب يغير هذا النموذج ويقول: والله أنتم أول الناس بالقدوة, وهكذا هو الإنسان
لما يكون مسئول, ويكون رئيسا على الناس مواقف رائعة لخلفاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم كيف بهم في فعل الحج؟ وكيف بهم في فعل الصيام؟ نماذج رائعة, ولكن اجعلونا
نتحدث عنها بعد هذا الفاصل إن شاء الله ثم نكمل الحديث عن القدوة بإذنه تعالى