الرسول صلى الله عليه وسلم حذرا2

بسم
الله الرحمن الرحيم..
نحن مع الرسول صلى الله عليه وسلم حذرًا، طبعًا تحدثنا
الآن عن موقفه صلى الله عليه وسلم من الحذر ومن السرية وكيف علم صحابة رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الرجال، طبعًا قد يكون موقف الرجال معقول؛ لأنهم عندهم
شكيمة, وعندهم قوة, ويستطيعون أن يتحملوا الشدائد، لكن حتى النساء في زمن النبي صلى
الله عليه وسلم في أحلك الظروف وأقصى الظروف كانت المرأة مساندة لحماية الدعوة إلى
الله سبحانه وتعالى، وأخذ منهج الحذر والحيطة.. وأكرر أن هذا المنهج ليا يعني فعل
طريقة عنف أو طريقة تشدد.. لا.. ليس هذا هو المفهوم، لكن المفهوم هو مسيرة الدعوة
إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن بعض الناس حاسدين، وبعض الناس حاقدين في منهج الدعوة
ومنهج استمرار الخير في المجتمعات.
موقف أم جميل الصحابية الجليلة مع أم الخير
والدة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، طبعًا أم جميل إحدى الصحابيات الجليلات
تعلمت من منهج النبي صلى الله عليه وسلم حفظ الدعوة، وتعلمت منه صلى الله عليه وسلم
كيف يستطيع أن يصبر على هذه الدعوة وأن يكتم السر، لما أوذي الرسول صلى الله عليه
وسلم وأرضاه رأت أم جميل أن تحفظ السر وأن تكتم حالة النبي عليه الصلاة والسلام،
وممن أوذي أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه في بداية الدعوة لما أذوهما وكان
معهما مجموعة من الصحابة، حتى أن أبا بكر ما عُرف شكله وسمته ما عُرف، من كثرة
الضرب وكثرة الدم الذي نزل عليه، فحفظته أمه في البيت ثم قال أبو بكر كيف حال رسول
الله صلى الله عليه وسلم؟ فما عرفته.. وهذه ترجع إلى قضية أهمية مكانة النبي عليه
في قلوبهم.. قلنا في حلقة الألم اللي كان يأتي إلى الصحابة، وأن بعض الصحابيات مثل
فاطمة بنت السكن التي فقدت والدها وولدها وأخوالها وأعمامها وعم أبيها كذلك.. ما
كانت تسأل إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فلما علمت أنه بخير.. قالت كل
مصيبة بعدك جلل.. المهم أنت.. كذلك أبو بكر نسي جراحه وألامه وما كان يُعرف حتى
شكله ما عُرف، فقط أمه تعرفه، فقال كيف رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الآن هذا هو
المهم.. اسألي أم جميل.. فخرجت.. أعطاها التعليمات متى تخرجين، فخرجت لتسأل أم جميل
عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. طرقت الباب.. امرأة الآن مع امرأة.. فقالت
أم الخير كيف حال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقالت: لا أعرفه.. قالت أرسلني
أبو بكر.. فقالت: لا أعرفه.. فاستغربت أم الخير والدة أبو

بكر فلانة لا تعرفه ما الخبر ما
الأمر.. هي حفظت الأسرار.. فبينت لها معلومات من خلال كلام أبي بكر لها، إذا
وجدتيها ما أعطتك بعض المعلومات فقولي لها كذا وكذا.. فقالت هذه المعلومات أم الخير
لأم جميل فذهبت بها بطريقة هادئة إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه..
فقالت لأبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بخير.. قال أين هو الآن؟ قالت
هو في دار الأرقم.. قال أبو بكر إني أريد أن أراه.. فرتبت أم جميل وأم الخير
الطريق، في جنح الليل وقالوا عندما هدأت الرجل، يعني الأوضاع الآن جيدة، ما فيه
مشاكل نستطيع الآن أن نتحرك..
وهذا موقف جميل من مواقف الدعوة وفنونها، في بعض
الأوقات تأتي ذوبعات، تأتي مشاكل، يُؤخذ المظلوم مع الظالم، ويُأخذ الإنسان الذي لم
يصنع شيئًا مع الإنسان الذي صنع شيئًا.. هذه المراحل تحتاج إلى هدوء.. فإذا هدأت
الرجل وسكنت الأوضاع.. حينئذ يستطيع الإنسان أن يتوغل وأن يتحرك، وهذه سنن الحياة
سنن المدافعة، يعني لا يستطيع الإنسان أن يبقى على حالة واحدة، مهما كان هذا
الإنسان.. يعني القوي الظالم الطاغية ما معقول طول حياته أن يشتغل هذه الشغلة، لابد
يوم من الأيام أن يضعف أن يفتر، فتأتي الحركة لينطلق الإنسان ويتفاعل في هذه
اللحظات.. فأبو بكر استغل لحظة هدوء الرجل وكذلك المرآتان، فاستطاع رضي الله عنه أن
يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من مناهجه في الحذر عليه الصلاة والسلام أن
هذا المكان ما ينفع، فذهب مجموعة من الصحابة عددهم 80 معهم بعض النسوة إلى الحبشة،
وهذا يدعونا إلى سؤال، لماذا اختار النبي عليه الصلاة والسلام الحبشة، اختارها؛
لأنه عنده تاريخ وعنده جغرافيا, وعنده سياسة, وعنده فقه واقع، فهو يعرف حال الدول,
ويعلم حال الرؤساء, ويعرف القوانين الموجودة هناك، فقال إن عندهم ملكًا لا يُظلم
عنده أحد، كيف عرف هذا عليه الصلاة والسلام؟ من خلال استقراءه للتاريخ، وهذا يجعلنا
دائمًا نستفيد من التاريخ، ومن حال الدول حتى نفهم كيف كان منهجه عليه الصلاة
والسلام في التعامل مع القيادات ومع الرؤساء ومع المسئولين. فتجد أن هناك دول معين
عندها قوانين جدا جيدة، فاستغل هذا القانون واستفيد من هذا الأمر، هو لما ذهب عليه
الصلاة والسلام بنفسه إلى الطائف وعاد إلى مكة المكرمة كان في جوار المطعم بن عدي..
وقضية الجوار كانت موجودة في قريش، فاستفاد منه صلى الله عليه وسلم وبقي في جوار
المطعم بن عدي.. مع أنه كان مطلوب منه أن يهدر دمه, وأن يغتال عليه الصلاة والسلام،
فلما وجد الوضع السياسي المناسب استفاد منه عليه الصلاة والسلام، إذن هذا منهج
ينبغي أن نستفيد منه، من القوانين من العلاقات، من الأماكن التي يمكن أن أنشر فيها
الخير، فأنت ربما عندك تجارة، ربما عندك أمور حياتية، هذا المكان لا يناسب من
الناحية التجارية ولا من الناحية الدعوية ولا من الناحية التربوية، ما يناسبك..
اختار مكان آخر يكون أنسب، وظيفة أفضل، وضع مناسب، وأن تجد نوع من الحماية، النبي
صلى الله عليه وسلم لما وجد حماية المطعم بن عدي كان في جواره، الله سبحانه وتعالى
يحميه، الله تبارك وتعالى يعصمه من الناس، لكن لماذا يصنع ذلك؟ حتى يبين لنا إذا
كان بإمكانك أن تجد حماية بشرية فهذا جيد، ما في شك أن الله سبحانه وتعالى مطلع،
وأن الله سبحانه وتعالى يحميك ويساندك، لكن هذا منهج من مناهجه عليه الصلاة
والسلام،
عندما ذهب إلى الطائف وآذاه القوم، وكان يمشي حافيًا عليه الصلاة
والسلام، من مكة المكرمة إلى الطائف قرابة 150 كيلو متر، ومعه مولاه زيد.. فعرض أمر
الإسلام على القبائل وعلى أهل الطائف ولكنهم ما استجابوا للدعوة، فخرج منهم صلى
الله عليه وسلم كما يقول أهل السير مهرولا، كان يهرول عليه الصلاة والسلام، لماذا؟
لأن الضرب كان شديدًا عليه.. حتى أنه أوذي في قدمه فنزل الدم منها وكذلك من مولاه
زيد رضي الله عنه وأرضاه، الآن بلغ الرسالة ما استطاع في مكة وطرد منها، وحزن عليه
الصلاة والسلام وقال والله إنك لأحب بقاع الله إلى الله، ولولا أن قومك أخرجوني منك
ما خرجت.. فالحزن باد عليه واستطاع أن يفعل ما يفعل من الدعوى ومن التبشير والنذير،
ولكنه أوذي فخرج إلى الطائف.. فظن أنهم قوم فيهم مرؤة فيهم نخوة، فيهم شهامة، لكنهم
حتى الشهامة والمروءة ما كانت فيهم، فأذوه عليه الصلاة والسلام وخرج الدم منه، فلما
ذهب إلى المكان الذي استراح فيه بعد أن هرول وخرج منهم، دعا دعاءه الشهير وهنا أريد
أن ننتبه إلى كلمات هذا الدعاء.. قال عليه الصلاة والسلام في هذا الدعاء.. (اللهم
إني أشكو إليك ضعف قوتي.. وقلة حيلتي.. وهواني على الناس.. [يعني كأن الأمر يعود لي
أنا وليس من الناس، مع أنه عليه الصلاة والسلام أدى الرسالة وبلغ الأمانة ونصح
لأمته وبذل كل الأسباب وأوذي في ذلك.. لكنه يعيد الأمر إليه.. يقول أنا أشكو إليك
ضعف قوتي أنا وقلة حيلتي أنا وهواني على الناس.. أنا اللي الناس استهونوا فيا،
وكأنه يريد أن يعلمنا كلما كنت مع الله كلما كنت طائعا لله لكما تأدبت مع الله كلما
ساندك الله ومنعك وحماك، وكلما قفلت وعصيت وابتعدت عن منهج الله سبحانه وتعالى، سلط
الله عليك الأعداء، ولذلك عندما خرج من الطائف بعد هذه الجلسة، جلسة البستان، جاءه
ذلك الغلام الذي أعطاه العنب وقال أنا من نينوى من بلد أخيه النبي يونس عليهما
السلام، ولما رجع وجد الجوار من مطعم بن عدي، وبعدها كانت الفتوحات وكان الخير،
قويت الدعوة وصبر عليه الصلاة والسلام واحتمل وكانت فرصة للتشجيع، وفرصة للنصرة
وفرصة للمقاومة، كل ذلك بسبب حفظ الله له من خلال الدعوة من خلال الصبر عليها من
خلال التواضع من خلال الطاعة لله سبحانه وتعالى والبعد عن الغفلة.. كل دعوة تريد أن
تنجح، كل إنسان يريد أن يوفق في هذه الدنيا، لابد أن يستمر على طاعة الله سبحانه
وتعالى،
وكم من دعاة ظلموا، وكم من أناس غلقت من دونهم الأبواب، كم من أناس دول
سدت الطريق أمامها لا يدخلونها، مرت الأيام والليالي في صبر على طاعة الله ففتحت
الدنيا كلها أبوابها لهم.. هذا جزاء ماذا؟ هذا جزاء الصبر والاحتساب والطاعة إلى
الله سبحانه وتعالى..
الموضوع مثير وجميل ولكن اجعلونا خلال دقيقة نسمع إلى
جمال الدين.. تفضل يا جمال الدين..
جمال الدين: بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد
لله وحده.. والصلاة والسلامة على من لا نبي بعده.. حقيقة كانت سيرة النبي صلى الله
عليه وسلم مشتملة بالمعجزات والعجائب الكثيرة، وأن حياة النبي صلى الله عليه وسلم
مملوءة بالمواقف الرائعة الكثيرة، كلما استمعت الأذن استرات النفس وازداد الإيمان
ووجلت القلوب، علينا أمة المسلمين أن نستمع حلقات سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
كثيرًا وعلينا أن ندرس أو نقرأ كتب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا وتكرارًا
ليس لمجرد القراءة والاستماع، بل بالتطبيق في حياتنا وفي طريق دعوتنا.. وجزاك الله
خيرًا لحسن استماعكم..
د. علي: شكرًا يا جمال.. تفضل يا صالح..
صالح : بسم
الله.. والحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حقيقة
استفدت كثيرًا من هذه الحلقة والحلقات السابقة، ولكن تحديدًا أذكر أمور منها، أن
هناك أشياء واضحة تظهر وأشياء تحتاج إلى حذر.. وأنه بالطاعة تأتي الحماية وفي
الغفلة الندامة.. ورأيت كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على راحة أتباعه,
وتهيئة الوضع المناسب لهم بكامل الحذر.. وصدق الله عز وجل إذ يقول: {لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128) والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته..
د. علي: أحسنت وأحسن الله إليك.. إذن تعلمنا كيف كان منهج النبي
صلى الله عليه وسلم في الحذر، وأن هذه الأمور تحتاج إلى أن يفهم الإنسان الحسد وأن
يفهم العين، وأن يستعين على قضاء حوائجه بالكتمان، وأن المسألة فيها جزء من السياسة
فيه جزء من التنبه، وليست الوسوسة.. أن الإنسان يوسوس في كل من هم حوله، ولكن أن
يكون الإنسان واضحًا في تعامله صادقًا في دعوته في أخلاقه وسمته.. وفي الوقت نفسه
يتعلم أن هناك أمور تحتاج إلى روية وتحتاج إلى هدوء وتحتاج أن يستعين عليها
بالكتمان حتى يحقق مراده بإذن الله تعالى، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من
المتبعين لسنة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ..
.. وإلى لقاء
آخر..أستودعكم الله..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.