الرسول صلى الله عليه وسلم مدربا

بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام الأتمان
الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين.. وسيد ولد آدم أجمعين.. نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم.
حلقة جديدة مباركة من حلقات الرسول صلى الله عليه وسلم والحياة مع
الرسول صلى الله عليه وسلم "مدرباً" يعني يدرب الصحابة الكرام على معاني وقيم
عملية، وهذا التدريب مأخوذ من قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ
مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ
وَعَدُوَّكُمْ} (لأنفال: من الآية60) إذن يعدهم عليه الصلاة والسلام يدربهم عليه
الصلاة والسلام على هذه المعاني.. وهذا التدريب ميداني.. تدريب عملي، يعني كان
يربيهم على معاني معينة وقيم معينة صلى الله عليه وسلم ويطالبهم بالإعداد، هذا
إعداد ميداني وإعداد تدريبي.. بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام..
كان هناك أحد
الرجال وهو سفيان بن خالد الزهلي.. أحد الذين أساءوا للإسلام والمسلمين وكان دوره
التجميع، وهذه مسألة مهمة فقه التجميع.. تعالوا نجمع القبائل ضد النبي محمد صلى
الله عليه وسلم..
اجتمع عليه الصلاة والسلام في يوم من الأيام مع الصحابة،
فذكرهم وبين لهم دور الجهاد, والبطولة في سبيل الله, وحال هذا الرجل الذي هو سفيان
بن خالد الزهلي اللحياني, وأنه يقوم بتجميع أعداء الإسلام ضد النبي محمد صلى الله
عليه وسلم.. فكان ينتخب عليه الصلاة والسلام خلال التدريبات العملية والسرايا التي
ذهبت من قبل ليعرف مدى قوة فلان ومدى قوة الصحابي الآخر، فوجد أن عبد الله بن أُنيس
الصحابي الجليل الذي شارك في مقتل كعب بن الأشرف من الصحابة المهيئين لمثل هذه
المهمة، فنداه النبي عليه الصلاة والسلام وتحدث معه في شأن ما يقوم به هذا الرجل
ألا وهو سفيان بن خالد من تجميع أعداء الإسلام ضد النبي محمد عليه الصلاة والسلام..

طبعا هذا الصحابي عبد الله بن أُنيس له تجارب، والنبي عليه الصلاة والسلام لاحظ
الإيجابيات, والمميزات التي عنده، المواهب الرائعة التي عنده، كان صاحب شكيمة,
وصاحب قوة, وشارك في مواطن, ومواقف جدًا جدًا عظيمة، هذا كله جاء من خلال التدريب،
وكله جاء من خلال التشجيع، فشجعه النبي عليه الصلاة والسلام ورباه على هذا المعنى
وها هو ذا يطلب منه للمرة الثانية أن يشارك في مجموعة لقتل هذا الرجل ألا وهو سفيان
بن خالد.. إلا أن هذه المرة النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يجعل هذا الصحابي
يقوم بهذه المهمة لوحده، والمهمة ليست سهلة، يعني أن تغتال رجلا, وتقتله وهو محاط
بمجموعة من المقربين, وكذلك محصن تحصين شديد جدًا, وربما ينظر إليك بأسرع ما يمكن،
ولوحدك فهذه تحتاج شجاعة, وإلى جرأة, وإلى قوة, وإلى إيمان, وإلى ثبات من الداخل،
فوجد النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا الرجل مهيئا من خلال التدريبات المستمرة،
وأنه قد سبق له إحدى المحاولات العظيمة..
قال له النبي عليه الصلاة والسلام إن
النظر في سفيان بن خالد يبعث على الخوف والهيبة، رجل مهاب وضخم وقوي وربما تخاف،
فقال له رضي الله عنه وأرضاه يا رسول الله يعني أنت جربتني من قبل, واستطعت أن أدخل
إلى كعب بن الأشرف.. بل أخذ القوس الذي فقدته.. بل أمام الأعداء كلهم ما خفت..
فلماذا هذه الرسالة التي أردت أن توصلها إلي.. فالنبي صلى الله عليه وسلم وضح له
بكل جلاء أن هذا الرجل إنسان يهاب، إنسان يخاف منه الإنسان، فعليك أن تحذر من هذه
المسألة, وأن تستعد وتتهيئ لها.. لكن الله سبحانه وتعالى معينك وناصرك.. أخذ هذه
المعلومة وأخذ يتخيلها في ذهنه.. أنا عندي قوة وعندي إيمان وعندي ثبات على منهجي
فما الذي يخيفني من هذا الرجل؟ بعد ذلك بدأ التخطيط من النبي عليه الصلاة والسلام،
النبي عليه الصلاة والسلام مخططًا كما ذكرنا في الحلقات السابقة، قال له اذهب إلى
قبيلة خزاعة وانتمي إلى هذه القبيلة، بحيث أنك تكون منهم وفيهم، وهذا الرجل سفيان
بن خالد الهزلي يريد أن يجمع القبائل حوله، وهذه القبيلة قبيلة خزاعة ستشارك هذا
الرجل العظيم القوي الذي يريد أن يؤلب الناس ضد النبي عليه الصلاة والسلام فأنت لا
يوجد لك مدخل إلا هذا أن تنتمي إلى هذه القبيلة, وكأنك منهم، وهذا سيكون أسهل طريق
للدخول مع جند سفيان بن خالد..
فعلا الخطة محكمة والطريقة ذكية جدًا.. جلس بين
ظهرانيهم هذا الصحابي الجليل وصار منهم ومنتمي لهم، لما جاءت الآن مرحلة الإعداد,
والاستعداد في منطقة بين مكة, والطائف تسمى منطقة نخلة جعل المعكسر مواجه عرفة، هذه
المنطقة التي وضعها هذا الرجل معكسر تدريبي، منطقة عرنة هي جهة عرفة، فاجتمع هؤلاء
من كل مكان؛ لأن أعدادهم كبير جدًا خاصة من خزاعة، أعداد ضخمة وكبيرة لا يستطيع أن
يميز بينهم، ولكن حرس وله جنود وله أتباع وله خدم وله نساء كثير معهم في هذا
الإعداد القوي لملاقاة النبي عليه الصلاة والسلام.. هو يمكر ولكن الله سبحانه
وتعالى كان له بالمرصاد، اجتمع معهم هذا الصحابي الجليل وتدرب معهم تلك الفترة سمع
إلى التوجيهات، سمع إلى النصائح لملاقاة المسلمين وجاء اليوم الحاسم من شهر الله
المحرم من سنة السادسة..
التقى هذا الرجل بهم وبين ماذا سيقدمونه من قوة ومن
بسالة وطبعًا رجل مهاب، هذا الصحابي عبد الله بن أنيس أول مرة يجد هذا الرجل أول
مرة يشاهدة، بمجرد أن رآه وشاهده في فترة العصر، صلى الظهر ثم دخل إلى المعسكر في
العصر لما رآه هابه وبدأ العرق يتصبب منه فاستعان بالله سبحانه وتعالى وتذكر كلام
النبي عليه الصلاة والسلام سيصيبك الخوف.. فاشتغل بذكر الله والاستعانة بالله
والتوكل عليه حتى يقويه الله ويعينه، الآن جاءت صلاة العصر، فيترى ما هي الطريقة
وما هي الوسيلة للدخول على هذا الرجل، هل سيركع ويسجد ويرفع يديه.. سيبان أنه مسلم
وبالتالي هذا أمر غير مقبول، غير منطقي أن تظهر للرجل إسلامك.. إذن ما الحل؟ فأخذ
يفكر عبد الله بن أُويس، طبعا النبي صلى الله عليه وسلم أرسله ويعرف ذكاءه دربه على
الجرأة دربه على التخطيط, والتوازن وعلى تحقيق العقل فبدأ الرجل يفكر، فهداه الله
سبحانه وتعالى إلى فكرة أن الناس تسلم على هذا الرجل سفيان بن خالد وتنحني له..
فقال هذه فرصة مناسب وجميلة، فدخل عليه رضي الله عنه وأرضاه لما وصل إليه كبر..
وأخذ يصلي وهو ماشي.. رجالا أو على أقدامهم.. فالإنسان ممكن أن يصلي وهو ماشي في
المعارك.. وقدر أن هذه اللحظة لحظة معركة.. هو تعلم في القرآن الكريم أن هناك صلاة
الخوف يمكن أن يصليها الإنسان.. فدخل على هذا الرجل فانحنى إليه هو يقصد الركوع..
ثم رفع ثم انحنى إليه يقصد السجود وأتم ذكره وصلاته.. الرجل يخطط على أمر وهذا
الصحابي متعلق بالله سبحانه وتعالى ويعيش في الصلاة وأوراد الصلاة هو في واد ثاني
وذلك يستقبل التحايا ويستقبل الانحناء الرأس إليه، فجلس بين يديه وأخذ يضاحكه
ويجالسه ويأنس باللقاء معه.. وأدرك ما هي الاشياء التي يحبها هذا الرجل.. يحب
الأشعار.. فأعطاه من الأبيات الشعرية ومن القصص ومن الطرائف حتى أنس هذا الرجل..
فقال له من أين أنت؟ فقال له أنا من خزاعة.. يعني الرجل استغرب من هذا الرجل صاحب
الكلام وصاحب الأشعار وعنده القصص والأخبار.. فقال له أنا من خزاعة وخلاص معروف في
هذه القبيلة.. ثم قابلة مباشرة عبد الله بن أُنيس الذكي المخطط بالحديث عن وضع
النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. فقال لقد اطمأننت إلى طريقتك وإلى ما تريد أن تقوم
به من قتل محمد وأصحابه فإنه قد سب آلهتنا وشتم قبيلتنا وبدأ يدخل معه في هذه
الأجواء.. فالرجل ارتاح واطمأن إليه وسار بهذا المنطق كل يوم وليلة يأخذه ويتحدث
معه هذا الحديث.. إلى أن صار عنده نوع من الأمان.. طبعا بدأت الآن اللحظات الحاسمة،
سمع أن سفيان الزهلي خلاص عنده ليلة واحدة فقط وسيغير على المدينة المنورة ليقتل
النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما يزعم..
وجد أن اللحظات حاسمة وأنه
لابد أن يبادر بالأمر.. أخذ يفكر بالطريقة المناسبة، وقال ما في طريقة إلا سحره
بالكلام وسحره بالأشعار والقصائد، جاءت هذه الليلة وتلك الأمسية الجميلة فأخذه رضي
الله عنه وأرضاه أخذ هذا الرجل المشرك في حديث طويل، ومؤانسة طويلة، فمع الأنس
والحوار الجميل قال ما رأيك أن نرتاح.. إلى أن جاءت فترة راحة فأخذه إلى خيمته وفي
هذه الخيمة بدأ الأنس والحديث الجميل وذكر اللطائف فيما بينهما، هذا يذكره بأمر
وهذا يذكر بيت شعر وهذا يذكر مؤانسة معينة وهذا يذكر قصة جميلة وذهب الليل وكل فترة
ينتبه هذا الصحابي الجليل هل نام النساء؟ هل نام بعض الخدم هل الجند ناموا.. فكان
يستمع إلى الأصوات إلى أن حس أن الأصوات هدأت وأن الأمور هدأت.. فبدأ يتثاوب رضي
الله عنه وأرضاه وخلاص نحن بحاجة إلى أن نرتاح.. هو الآن في خيمة القائد وهذا
لايمكن أن يقبل أن كل واحد يذهب إلى خيمته, ولكن مع المؤانسة بدأ يصنع بعض الأشياء
حتى هو يستجيب له من الناحية النفسية, ويحس هو بالتعب فبدأ يذكر قصة ويتثاوب ويذكر
قصة ويتثاوب حتى اطمأن وارتاح إلى أن هذا الرجل دخل في مرحلة النوم..
وجد أن
الأصوات هادئة والنساء نائمون الجند نائمون وأن الرجل بدأ الآن في مرحلة النوم، وهو
دفعه إلى أنه نائم، والغريب أن الله سبحانه وتعالى دبر أمرًا ورتب أمرًا سبحانه
وتعالى بما لا يستطيعه أي إنسان هذا من تدبير الله الخاص، فنامت أعين الجبناء وبقي
هذا الذي هو على الحق رضي الله عنه وأرضاه يقظًا ولكنه يعيي بين أنه نائم... في هذه
اللحظة الحاسمة الصعبة وطبعًا يحتاج الأمر إلى تدارك وتخطيط كبير؛ لأنه ستقتل هذا
الرجل وتفر من خيمته وتفر من خيم كل المشركين وربما يحسوا، فالأمر يحتاج إلى نوع من
الدهاء وقبل ذلك وبلا شك هو توفيق الله سبحانه وتعالى.. فكيف استطاع هذا الصحابي أن
ينجو من البلاء الذي هو فيه.. من المحنة التي هو فيها.. يعني وضع صعب جدا ويريد أن
يقدم أمر يخدم الإسلام والمسلمين.. فما هي خطته وما هي طريقته.