الرسول صلى الله عليه وسلم مدربا2

بسم الله الرحمن
الرحيم..
نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم مدربًا.. وأعدوا لهم ما استطعتم من
قوة.. هذا الإعداد هو التدريب بنص الآية الكريمة.. أعد لهم النبي صلى الله عليه
وسلم إعدادًا علميا وإعدادًا بطوليا إعدادًا شرعيًا، أعدهم كذلك في اللحظات الحاسمة
في الأخلاق في القيم كله الآن في الميدان..
قلنا أن النبي عليه الصلاة والسلام
اختار عبد الله بن أُنيس كما لاحظنا قبل قليل لقتل ذلك الرجل المشرك الذي جمع
القبائل ضد النبي عليه الصلاة والسلام وهو سفيان بن خالد الهزلي اللحياني.. وصل
الآن إلى المعسكر ذهب مع هذا الرجل الكافر نومه وهدأه إلى أن وصل لمرحلة النوم..
تغافل هو وبين كأنه نائم, وانطلق ذاك في نومه العميق وثباته، ورتب الله سبحانه
وتعالى الأمور والآن الوضع متجهز تمامًا.. أدرك النساء ناموا، الجيش نام وحينئذ أخذ
خنجره الذي كان بجانبه وطعن به طعنة واحدة وبدأ يحز رأسه لأنه يريد أن يأخذ الرأس
معه.. فحز رأسه وفي المراحل الأخيرة صار عنده صوت وبدأت حركة خفيفة في نفس الخيمة،
فأدرك النساء أن هناك شيء.. فمع العجلة ومباشرة أخذ رأسه وهرب ومشي حافيًا رضي الله
عنه وأرضاه.. ترك نعليه.. وهرب إلى خارج المخيم.. أدرك النساء الحال وبدأ الجنود
يحسون أن قائدهم صار فيه شيء.. وبدأ النساء يصرخن بصوت عال جدًا.. فأدرك الجند
الحال وبدأوا يلاحقون هذا الرجل الذي قتل زعيمهم وسيدهم، إلى أين اتجه عبد الله بن
أُنيس، اتجه إلى غارة في داخل جبل، وكان قد عرف موقع هذه الغارة وخطط لها من قبل،
لو فيه شيء معين سأتجه لهذا المكان.. هرول إليها مباشرة حافيا على أقدامه ومن شدة
التعب لا يوجد ماء وحافيا على قدميه والحجار لكم أن تتخيلوا يعني ظلام وحجارة مكة
المعروفة وتصعد إلى جبل والناس تلاحقك من كل مكان ومعهم الإبل ومعهم الفرس، فوصل
إلى هذا المكان إلى الغار ودخل فيه وأخذ صخرة فأغلق على نفسه الغار..

موقف صعب والكفار بدأوا يلاحقوه من
كل مكان، يعني لسه حتى الآن الموضوع طازة قريب جدا ليس بالبعيد، وهو من شدة إنهاكه,
والتعب, والدنيا ظلام فكان يدرك الحال بسرعة.. فجلس في ذكر الله سبحانه وتعالى
والاستغفار والاعتماد على الله والتوكل عليه وطلب الحماية منه إلى أن جاء النهار..
ولما جاء النهار بدأوا يتحركون ثلاث ليال وهو في نفس المكان، أحدهم اقترب من الغار
وبدأ عبد الله بن أُنيس يحس بحركة قدميه.. وجلس هو في مكانه ساكنًا هادئًا يذكر
الله سبحانه وتعالى.. فلما اقترب وجد أن هذا العدو أن الصخرة قد أغلقت الغار وأنه
لا يمكن أن يوجد شيء فيها، فأخذ إناء فيه ماء ليقضي حاجته وفي جانبه مكان ليشرب
منه.. ماء يشرب منه.. فعبد الله بن أُنيس من عطشه, وتعبه, والجهد الذي بذله تاقت
نفسه إلى الماء يريد أن يشربه، وفي الوقت نفسه وجد نعل هذا الرجل المشرك الذي أراد
أن يقضي حاجته يعني بجواره.. فهو رأى المنظر فأبعد الصخرة قليلا وأراد أن يشرب
الماء ويأخذ النعل ويهرب.. يعني قمة الشجاعة, والجرأة التي هو فيها.. فعلا خرج
بهدوء جدًا أخذ الماء شربه لبس النعلين, والرجل في مكان يعني ليقضي حاجته وتسلل بكل
هدوء وذهب من مكان آخر وهرب.. أحس به الرجل.. لا الإناء موجود, ولا النعلين
موجودان.. فأدرك القوم الحال فأرادوا أن يلحقوا به ما استطاعوا لم يعرفوا أين ذهب
ولا أين سلك الطريق.. فأسرع رضي الله عنه وأرضاه اتخذ من طريق إلى طريق حتى وصل إلى
منطقة نخل فجلس فيها وهدأ رضي الله عنه وأرضاه.. حتى وصل إلى المدينة المنورة..

لما وصل إلى المدينة المنورة استقبله الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام من أول مستقبليه.. وابتسم في وجهه عليه الصلاة
والسلام فرحا بما صنع.. يعني عمل عظيم أن تقوم بهذا الأمر.. ثم أراد النبي عليه
الصلاة والسلام أن يكافئه.. طبعا يحكي الآن للصحابة أنا صنعت كذا وكذا.. الرواية
جميلة جدًا.. فيلم مثل الأفلام.. وقابلتهم في اللي وصنعت معهم والصحابة يضحكون
ويأنسون من الموقف بينما هم في هذه الأجواء الجميلة الرائعة خرج النبي عليه الصلاة
والسلام إلى بيته وأخذ عصا.. ثم أتى به إلى جمع هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله
عنهم.. وأعطى هذه العصا إلى عبد الله بن أُنيس.. فأخذها عبد الله واعتبرها كهدية..
هي وسام شرف في الحقيقة.. فاستغرب الصحابة ما هي قصة العصا ولماذا أعطاها له النبي
عليه الصلاة والسلام.. ؟ فقالوا يا عبد الله لو سألت رسول الله.. يعني أخبره ما شأن
هذه العصا ما الحاجة لها؟ فذهب عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه إلى النبي عليه
الصلاة والسلام فسأله يا رسول الله ما شأن هذه العصا.. فقال أن هذه العصا أعطيتك
إياها لتختصر بها في الجنة.. وقليل من يختصرها.. يقصد يختصر بها أي يتكئ عليها..
وقليل من يصنع ذلك في الجنة.. ففرح رضي الله عنه وأرضاه فرحًا كبيرًا هذا وسام شرف
تعطيني عصا من بيتك وسأتوكأ عليها في الجنة.. هذا شيء عظيم جدًا.. ففرح رضي الله
عنه وأرضاه.. ثم لما حانت وفاته طلب من أهله أن تكون هذه العصا معه في القبر وحقًا
لما مات رضي الله تعالى عنه وأرضاه أخذت هذه العصا وبقيت معه دفنت وعندما كان في
لحاف موته لحف بها رضي الله عنه وأرضاه وبقي في القبر ومعه هذه العصا تشهد له يوم
القيامة..
هذه حقيقة من مواقف وتشجيع وتدريب من النبي عليه الصلاة والسلام فيها
كثير من الدروس والعبر, ولكن نحب أن نستمع إلى أخونا علاء ثم نسمع إلى أخونا مشرف..
تفضل يا أخ علاء..
علاء : بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله رب العالمين..
والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم..
رأينا كيف درب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تدريبًا على الجهاد, والقتال في
سبيل الله, وكيف كان حالهم في المقاتلة، وكيف كان تخطيط النبي صلى الله عليه وسلم
فخطط له, ودبر له الأمر, وأرشده إلى تلك الخطة, وما كان من هذا الصحابي عند سيرانه
بالعدو وقد بين له النبي صلى الله عليه وسلم قدر هذا العدو وعدم الاستهانة به..
فعندما رآه فقد هابه, ولكنه عاد إلى ذكر الله.. وقد صدق الله العظيم إذ يقول:
{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }(الرعد:28) ووقوف الله تعالى جانب
هذا الصحابي الجليل في هذا النصر حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ} (لأنفال:45) وجزاكم الله خيرًا..
د. علي: أحسن الله إليك جميل..
تفضل يا أخ مشرف..
مشرف: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.. أخوتنا ما
زلنا نحن في رحاب حلقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحياة.. مع الحديث أنه صلى
الله عليه وسلم مدربًا.. مما استفدنا من هذه المحاضرة القيمة أن النبي صلى الله
عليه وسلم أعد أصحابه حق الإعداد، مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى {وَأَعِدُّواْ
لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ } (الأنفال:60) ومن
هنا أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين استطاعوا أن يعالجوا القضايا على أنصابها،
وأهم ما استفدناه من هذه القصة أن المسلم ينبغي له أن يكون فريسا فطنا في كل
المواقف من حياته، كما قال صلى الله عليه وسلم "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور
الله" والنور أي هذا النور لا يأتي إلا بالإيمان والعمل الصالح وجزاكم الله خيرًا..

د. علي: أحسن الله إليكم.. لاحظنا الآن كيف درب النبي عليه الصلاة والسلام بهذا
الموقف العملي صحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.. الآن عبد الله بن أُنيس يعتبر
تم تدريبه تدريبًا علميًا شرعيًا وهذا التدريب صار من خلال الميدان.. لما حانت وقت
الصلاة صلاة العصر ماذا يفعل.. مشي رضي الله عنه وأرضاه وكبر وصلى وذكر الله سبحانه
وتعالى.. هذه الآن فتوى شرعية وفتوى علمية, ودربه النبي عليه الصلاة والسلام على
هذا المعنى في الميدان.. هو الآن يطبق هذه الأحكام الشرعية التي قرأها وسمعها في
ميدان الجهاد والقتال.. تدرب كذلك بطوليا؛ لأن الإنسان يحتاج أن ينزل إلى الميدان,
ولكن أن يتلقى التعاليم دون أن يطبق في الميدان هذا ليس صحيح.. يتدرب على القيم
يعني عنده قيمة معينة وهي قيمة الثبات قيمة الاستعانة بالله قيمة التوكل على الله
هذه القيم العالية العظيمة لما كان في الغار كيف ثبت, وصبر كيف استطاع أن يأخد نعل
الرجل, ويأخذ الماء الذي يشربه واستطاع أن يتحرك.. التدريب على تحريك العقل هذه
تحتاج إلى تدريب، كيف استطاع أن يدخل عليه، كيف استطاع أن يتكلم معه، كيف استطاع أن
يقول الأبيات الشعرية الكثيرة والقصص من هنا وهناك حتى أنيس له ذلك الرجل.. هذه
كلها من أنواع التدريب، التدريب العقلي والتدريب النفسي أن تكون جريئًا شجاعًا، ما
اختاره النبي صلى الله عليه وسلم هكذا بسهولة، وفي نفس الوقت التدريب على واقع
الآخرين.. يعني أن يستقرئ, وأن يفهم, وأن يتعظ؛ لأنه قال: كن حريصًا من هذا الرجل..
فربما يدخل في قلبك الرعب والخوف فهذه المعاني كلها رباها النبي صلى الله عليه وسلم
في نفوس أصحابه حتى استطاع وبفضل الله تبارك وتعالى أن يقدموا النصر للإسلام
والمسلمين هذه معاني كثيرا ما نستفيدها من مثل هذه المواطن العملية.. نسأل الله
سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المتبعين لسنة سيد المرسلين وأن يجعلنا قدوات صالحين
كالصحابة، وأن يحشرنا وإياهم في ذمرة الصالحين مع النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا..
وإلى حلقة قادمة إن شاء الله..
وإلى لقاء آخر
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..